أقلامهم

محمد العوضي يكتب عن لقائه مع جورج بوش المطيري الكويتي في فرنسا، وقصة تسميته

جورج بوش المطيري


محمد العوضي


 


في شارع الشانزليزيه بباريس وفي فندق كليفورنيا وفي قاعة الفندق الأرضية بتاريخ 23/ 4/ 2011 تجمع الطلبة القادمون من مدن فرنسا المختلفة في أمسية ثقافية وشعرية وفي جو من التلاحم الطلابي يمثل جميع ألوان مكونات المجتمع الكويتي… وكنت ضيف هذا النشاط الذي أقامه اتحاد طلبة الكويت في فرنسا.
وبعد الانتهاء من محاضرتي أخذنا استراحة طلابية ربع ساعة لشرب الشاي والعصائر ثم لنعود جميعاً للاستمتاع بالجزء الثاني من الأمسية الثقافية مع الشاعر محمد جارالله السهلي الذي اكتشفت مقدرته النقدية المتألقة شعراً للواقع السياسي وبينما كان الطلبة يتبادلون التحيات والتعارف والتآلف والأحاديث الجانبية وهم يحتسون الشاي ويشربون العصائر سلم عليّ شاب في العشرين من عمره أو دون ذلك يتفجر حيوية، الابتسامة لا تفارق محياه مربوع الجسد متوسط القامة حنطاوي البشرة، وبعد أن التقط معي الصور قال أعرّفك بنفسي أنا جورج بوش المطيري.
لم أُركزّ على ما قاله الطالب الشاب في زحمة السلام المفاجئ والمتقطع والتصوير المتتابع العفوي مع الطلبة واختفى جورج بوش الكويتي بين جموع الطلبة، وظننت بادئ ذي بدء أن ولدنا الطالب يمزح أو أني لم أنتبه لبقية كلامه لعل الاسم جاء في سياق مبتور… رجعنا الى القاعة ثانيةً لاستكمال الأمسية وقام طالب الحقوق ناصر المطيري بتقديم الضيف الشاعر السهلي وبعد أن أمتعنا بقصائده السياسية والاجتماعية ثم الغزلية طلب الشاعر من الجمهور واستأذنهم أن يلقي قصيدة (رمزية) فكرية كان يتحاشى ويحذر من إلقائها أمام الجماهير والعامة خشية سوء الفهم، وقال أنا اليوم بين نخبة المثقفين وفي عاصمة الثقافة وثقتي بالحضور عالية، سألقي قصيدتي، وفعلاً كانت قصيدة ملغومة وجميلة ذات إشارات وتضمينات تجرح وتداوي تُمكن المتلقي من استلهام أكثر من دلالة لما يسمع، لم أستطع الصمت وطلبت التعليق فباركت للشاعر موهبته وشجعته على المضي في هذا الخط الرمزي بعد أن تكلمت باختصار عن أقسام الدلالات (العقلية البحتة) ثم (الدلالة الطبيعية) ثم (الدلالة الوضعية التوافقية) والتي تأخذ صوراً متعددة لفظية ورمزية متنوعة… والرمزية تعكس قمة التميز والذكاء الإنساني.
وبعد أن ألقى الطالب فيصل البراك كلمة الختام للحفل الطلابي التقيت برئيس اتحاد طلبة الكويت بفرنسا أحمد عبدالكريم الفيلكاوي (دكتوراه حقوق) وسرني أنه نائب رئيس المركز العربي – الأوروبي لحقوق الإنسان… فقال لي ما رأيك بالطالب (جورج بوش) قلت له هذا اسمه الحقيقي أم أنه كان يداعبني؟!
قال الفيلكاوي بل اسمه، فطلبت منه أن يبحث عن بوش الكويتي قبل أن ينصرف لأتحدث معه، وتعرفت على الطالب الشاب، اجتماعي، محبوب عند الطلبة، روحه طيبة، قلت له اشرح لي قصة تسميتك. قال: لقد أُسر والدي في سجون العراق أيام الغزو البعثي للكويت وظل مدةً أسيراً، وقد عاهد نفسه إذا خلصت أميركا الكويت من الاحتلال العراقي وخرج من الأسر ليسمين أول مولود ذكر باسم جورج بوش رداً للجميل. وكنتُ أنا المولود الأول فسماني جورج بوش، ومع هذا فهو خيرني الآن إن كنت أريد أن أغير اسمي أم لا…
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تشرح لشاب في هذه السن تعقيدات هذه الرؤية البسيطة والمختزلة لما حصل من مأساة لتجعله يرى الصورة مكتملة واعية للحدث الضخم بمقدماته وتوابعه ليتحرر من الصورة الرومانسية الحالمة الوردية التي رسمتها ريشة آل بوش الإعلامية!!
أقول: إنني أتفهم لحظات الألم التي كان يعيشها الأب على أسره وقتل شعبه واحتلال بلده وتدميره.
إلا أن مقام اليوم يجب أن يأخذ قرار التجرد ليستدرك فيه الإنسان على نفسه، ويكون أمام خيار واع بعد خيار مشاعر الأحزان والآلام.
وإذا كان التزام الأب الفاضل بالوفاء بالاسم يعد أعلى درجات الصدق مع الذات والالتزام بالعهد الذي قطعه على نفسه، فإنه اليوم أمام خيار أكثر قوة وشجاعة وهو قرار التصحيح الذي لن يلومه عليه أحد ولن يشعره بأي تأنيب ضمير داخلي وأعتقد أن الأب والابن سيتفقان على خيار قوة التصحيح في الحاضر كما التزما بخيار الوفاء في الماضي.
ولعل من حسن الموافقات أن أكتب هذا المقال وفي الدرج الذي على يميني كتب لها وزنها العلمي مثل كتاب «أميركا والابادات الجماعية» وكتاب (أميركا والابادات الثقافية) للباحث القدير مُنير العكش، وأخيراً وليس آخر كتاب (لماذا يكره العالم أميركا) ترجمة مكتبة العبيكان…