أقلامهم

أحمد الجارالله يؤكد أن النظام السوري فقد شرعيته مع أول رصاصة أطلقها”شبيحته” على صدر مواطن أعزل

لم يعد ما تحققه الثورة السورية من مكاسب وعطايا يجزل بها النظام على الرعية, كما يريد تصويره الاعلام الرسمي السوري او كبار المسؤولين فيه, بل ان المتظاهرين يغيرون الان الفلسفة التي قامت عليها الدولة منذ أربعة عقود, ولهذا يشد” الشبيحة” والقتلة عصب القمع والتقتيل والتهجير, ويعيثون فسادا في المدن والبلدات والقرى دفاعا عن اقطاعياتهم التي بنوها من مال الناس وتعب الفقراء طوال كل تلك السنين, بينما ترك الشعب عربيا لمصيره من دون نصير غير تركيا التي فتحت حدودها لاستقبال الهاربين من جحيم انتقام قوات النظام الآخذ بالافلاس, والذي تتآكل شرعيته مع كل فجر جديد.
معادلة انتزاع الحرية بالدم القائمة حاليا في سورية ليست مسألة عابرة في تاريخ المنطقة الحديث, بل هي المفترق الذي منه ستتحدد الاتجاهات في العالم العربي ودول الجوار. والموقف التركي الانساني من الثورة السورية سيكون له عميق الأثر, ليس عند الشعب السوري وحده, بل عند الشعوب العربية والاسلامية التي تأخذ الان على حكوماتها وعلى الجامعة العربية صمتها وغضها الطرف عن المجازر التي تشهدها يوميا عشرات المدن والقرى وبمساعدة من ايران وإمعاتها في لبنان الذين اختاروا مناصرة القاتل ضد الضحية, ودعمه بكل ما يساعد على القمع والتنكيل, والذين أيضا يحاولون تبرير ما يجري تحت عنوان “المؤامرة على سورية” التي في الواقع لا يحتاج نظامها أصلا لمن يتآمر عليه بسبب زرعه الأحقاد طوال أربعين عاما في كل شبر من أرض الشام, أي أنه هو من تآمر على نفسه, وكل ذلك يدعونا الى الطلب من هؤلاء الخجل من أنفسهم, والتواري بدلا من الاستعراضات الاعلامية التي يمارسونها على شاشات الفضائيات لتلميع صورة نظام جزار.
نعم, سقط النظام السوري مع أول رصاصة أطلقها”شبيحته” على صدر مواطن أعزل في تظاهرة, وكل ما يفعله الان لن يجدي نفعا في إعادة الحياة اليه, لا من خلال الترهات حول الديمقراطية التي منها سيعلمون الشعوب, وفقا لهلوسات وزير الخارجية وليد المعلم الذي جعل نفسه راسم الجغرافيا الجديدة للعالم, فحذف قارات من على الخريطة , ولا من الوعد بالاصلاح الجذري للدولة او الدستور الجديد الذي وعد به الرئيس بشار الاسد, لأن الاثنين يتحدثان عن مسألة لم تعد في متناول يد نظام أصبح من الماض, بعد ان خرج مئات الالاف الى الشوارع للمطالبة باسقاطه, ومحاكمة رموزه, بل ان من يصيغ مستقبل الدولة السورية الجديدة هي تلك الاصوات المتحدية جبروت السلطة بصدر عار, وبقبضة خالية الا من ريح الحق بتقرير المصير من دون وصاية حزب بات من موجودات متاحف الرعب, ولا قبل له على قيادة الدولة والمجتمع.
لقد وضع الاتراك العرب أمام مرآة الحقيقة التي أظهرتهم بصورة بائسة, أكان لجامعتهم التي لم تعد معبرة عن نبض شارع يموج غضبا من الصمت على واحدة من أفظع مذابح العصر ترتكب بكل دم بارد في كل سورية,او تلك الحكومات التي مارست غريزة النعامة ودفنت رأسها في الرمال, ما جعل شعوبها تشعر بالعار لأنها لم تستطع ان تنصر الشعب المظلوم في سورية, وتركت الامر لدولة أجنبية مجاورة.