عربي وعالمي

في حوار خصت به ((سبر)) وكشفت خلاله عن حملات "تفسيق" تتعرض لها
فوزية العيوني: حان الوقت لأن تتحرر المرأة السعودية من عقدة المحرم

فوزية العيوني ..ناشطة في مجال حقوق الإنسان وواحدة من مؤسسات جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية ورئيستها الحالية، برزت على نحو ملحوظ في الفترة الأخيرة على الصعيد المتعلق بشؤون المرأة.. ورغم أنها تنتمي إلى مدينة “بريدة” ، تلك التي تتسم بمجتمع متدين شديد التدين إلا أن ذلك لم يمنعها من الظهور على الملأ والدعوة إلى إنصاف المرأة والمطالبة بما تراه حقاً مغيباً عنها.


((سبر)) حاورتها عبر هذا اللقاء؛ وطرحت عليها تساؤلات عدة تتعلق بحقوق المرأة السعودية، وأين وصلت؟ وماهي أبرز مطالب النساء السعوديات؟ ، خصوصاً بعد أن احتلت قيادة المرأه للسيارة الموضوع الأبرز خلال الأسابيع الماضية.


العيوني كشفت خلال اللقاء الكثير من طموحات المرأة السعودية، والمطالب التي لاتتوقف عند قيادة السيارة وحسب.. وهنا التفاصيل:


– حدثينا عن جمعية حقوق المرأة السعودية؟ وهل تلقى تأييداً من النساء السعوديات بشكل عام؟ وما حجم التفاعل والتواصل معكم؟


أسسنا الجمعية عام 2007 بعد أن استبشرنا بما طرحه مجلس الوزراء عام 2006 من مشروع يهدف للتأسيس لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وقد أحيل المشروع لمجلس الشورى؛ لدراسته والتصويت عليه وبعد وصول مسودته إلى المثقفين جرت حوله مناقشات وورش عمل، حتى تمت صياغته بالشكل الذي يرضي هذه الشريحة، بما يخدم المجتمع، وقد استضاف مجلس الشورى بعض المهتمين بهذا الشأن، بعدها أعيد المشروع إلى مجلس الوزراء، وكنا ننتظر البت فيه، إلا أن هذا الحلم لم يتحقق حتى الآن، كان استبشارنا هو دافعنا لتأسيس هذه الجمعية، ولمجرد الإعلان عنها أطلقنا حملة “حق المرأة في قيادة السيارة ” وحصدنا على مدى شهرين متتالين آلاف التوقيعات، وعشرات الراغبات في الانضمام للجمعية وعدناهن بالحصول على العضوية، لمجرد حصولنا على الترخيص ومازالت العضويات معلقة، أما التفاعل فمقياسه هذا الإقبال ولا غرابة في ذلك، فالعمل التطوعي إحدى جبلات الإنسان.


– صدر التقرير الثاني لحقوق المرأة السعودية ويحمل الكثير من المطالبات للمرأة السعودية.. هل هناك أية نتائج ملموسه من السلطة تجاه تلك المطالب؟


هذا هو تقريرنا الثاني، مما يشير إلى تقرير أول رصد عام 2009 واقع المرأة السعودية وكان تجربتنا الأولى، ولا شك أن تقريرنا الثاني كان أكثر نضجاً وحرفية، إلا أن التقريرين اعتمدا المصداقية الكاملة، حيث رصدنا الواقع
المؤلم للمرأة ولم نتجاهلها كمبدعة ومتميزة في مجالات عدة ،ولكننا أشرنا للأسباب التي تجعلها تسلك طريق الإبداع والأخرى التي تجعل منها ذليلة ومستعبدة. إن الهدف من تلك التقاريرهو تجميع الحالات التي يتمثل فيها انتهاك لحقوق المرأة والطفل ومن ثم العكف على دراستها وتصنيفها كمشكلات أو ظواهروالمساهمة مع غيرنا من الباحثين في التنبيه لها، أما النتائج فهي تعتمد على سن أنظمة وقوانين جديدة تكفل حماية هاتين الفئتين، وهذا مالم نلحظه وفي هذا التقرير رصدنا بعض محاولات خجولة ومترددة تجاه سن قوانين تحد من بعض الانتهاكات، مثل زواج القاصرات والعنف ضد المرأة والطفل، ولكن جميع تلك المحاولات لا تخرج فوق إطار الدراسة


– هل شاركت الجمعية في حملة “سأقود سيارتي بنفسي؟” وهل ترين أن قيادة المرأة للسيارة أكبر المشاكل التي تقف في وجه المرأة السعودية، في ظل الحشد الإعلامي الكبير الذي رافق هذه الحملة؟ وماذا يدل عليه التركيز المستمر على مسألة القيادة وتهميش باقي الحقوق؟


تبنت جمعيتنا ثلاث حملات من أجل هذا الحق منذ 2007، وعملنا على إحيائه بعد وأده عام 1990 الذي شهد خروج 49 امرأة في مدينة الرياض قدن مركباتهن؛ للتعبير عن جاهزية المرأة لخدمة نفسها وأسرتها في ذلك الظرف التاريخي العصيب، وعلى إثر ذلك أصدرت وزارة الداخلية بيانها الذي يمنع هذا الحق وتلاه فتوى دينية تحرمه ثم تعالت أصوات الخطباء في المساجد؛ لتفسيق وتكفير كل أولئك النساء الشجاعات إذن. في 2007 اجترحنا المحرم والمسكوت عنه طيلة ما يقارب العقدين من الزمن ( دون أن يكون البلد يمر بأزمة كما يحلو للبعض قوله عند أي مطلب )، واستطعنا عبر تلك الحملات أن نعيد هذا الحق إلى سطح القضايا الهامة المعيقة لحقوق كثيرة لها ارتباط ماس به كالحق بالعلم والعمل والعلاج، أوحتى حق شراء ” بصل ” من بقالة، وإن كنا في السابق نتذمر من وجود ” سائق ” كرجل غريب في بيوتنا لا نعلم ماهي خلفياته الاجتماعية أوالثقافية بل الإجرامية – ربما – وخطر هذا
الوجود على أرامل ومطلقات أو أطفال، إلا أننا اليوم نطرح إضافةً إلى ذلك بعداً اقتصادياً، نتيجةً لشح الوظائف وتدني الأجور التي في الغالب لاتتجاوز 3 آلاف ريال نصيب السائق منها النصف أو أكثر، مما يجعل المرأة تفكر
بمدى جدوى العمل لثماني ساعات متخليةً عن مسؤولياتها المنزلية مقابل مبلغ زهيد بإمكانها مضاعفته لو قادت سيارتها بنفسها، أما عن مشاركة جمعيتنا في هذه الحملة الموفقة، فإننا شاركنا بالدعم والتأييد ولا ندعي المبادرة، وقد سعدنا أيما سعادة بقيادة شابات واعدات أكملن مسيرة الرائدات الأوائل؛ لنؤكد جميعاً أن هذا الحق مكين وراسخ وليس بدعةً أو ترف.


المرأة.. والمحرم


– طالبت الجمعية في تقريرها باستقلالية المرأة من المحرم.. ألا تخشون من النتائج الاجتماعية التي قد تترتب على ذلك من انفلات للمرأة السعودية ؟


استفزتني عبارة “انفلات المرأة ” والتي تؤكد سيادة النظرة القاصرة للمرأة وكأنها كالطفل تماماً تحتاج للعناية والتوجيه،علماً بأن الطفل الذكر مرشح للرشد في يوم ما وبإمكانه أن يكون مستقلاً عند عمر الثامنة عشرة بل ويكون محرماً وولياً على أمه أما المرأة فتبقى حتى مماتها غير راشدة وتحتاج هذا الولي.
إننا ننشد الحياة والعلاقة الإنسانية بين أفراد الأسرة الواحدة ذكوراً وإناثاً دون أن يشعر الذكر أنه يملك حق تقرير المصير للأنثى فيتحكم ويعبث في حقها في العلم والعمل والسفر والعلاج وعرقلة الطموح والأحلام ونحو ذلك حيث يتحول المحرم هنا إلى “مجرم ” ولكن مع رخصة رسمية للإجرام.
الانفلات يحدث عندما يشعر الإنسان رجلاً كان أو امرأة بالقهر وعدم الأمان الناتج عن الاستبداد وعن سطوة القوي المدعوم قانوناً تجاه مستضعف قليل الحيلة هذه البيئة هي البوتقة الملائمة لظهور كل أشكال الانفلات النفسي والأخلاقي والاجتماعي والثقافي وهذا هو الناتج الاجتماعي الأخطر.


– أغلب القضايا المطروحة في تقريركم سببها العرف وليس القانون.. فهل من السهولة سن قوانين على مجتمع قبلي محافظ ؟ ثم ألا ترين أن هناك إحراجاً للسلطة في فرض مثل تلك الأنظمة؟
تقريرنا ركز على العنف الذي يطال المرأة بكل أشكال هذا العنف (الجسدي ،النفسي، اللفظي ، الثقافي ، المجتمعي ، وكذلك النظامي القانوني ) وجميع هذه الأشكال من العنف مصدرها ثقافة سائدة عمل على تكريسها ودعمها الفكر الديني المتطرف وأطرتها فتاوى دينية، وللأسف فإن الأنظمة استقت موادها من هذا المصدر الأحادي المتشدد وتركت المذاهب الأخرى الأكثر تسامحاً مع حقوق المرأة والتي تمثلت بسيرة أشرف الخلق “رسول الله محمد ” الذي قال ” أنا ابن العواتك من النساء” واقتدى به مؤسس المملكة ” أخو نوره “.
لقد كانت المرأة ” في “العرف ” منتجة أمام عين الرجل وكانت في هذه الحال أهلاً للمشورة منذ عهد سيد البشر حتى تغير الحال بعد عملية العزل التي حدثت بسبب الطفرة الاقتصادية والتحول للثقافة الاستهلاكية ودخول الإسمنت والجدران العازلة اللاإنسانية أما الأنظمة والقوانين فللأسف جاءت استجابة وتلبية لهذه الثقافة ولم تأت كمناوئة أو مطورة لها بل لم تخضع للتطوير المناسب بعد أن وقعت المملكة العربية السعودية لاتفاقيات دولية تقر حقوق المرأة وترفض التمييز.
لقد تعلمت المرأة وبلغت – مثل نداتها – في العالم أعلى درجات العلم والمعرفة وهي قادرة اليوم على قيادة مراكز أبحاث في الخارج ولكنها لا تستطيع قيادة سيارة في شوارع الرياض مثلاً وهي طبيبة وجراحة بين يديها رقاب وأرواح بشر ولكنها لا تستطيع أن تدخل بعض المقار الحكومية بدون محرم والأدهى أنها لا تستطيع إجراء عملية جراحية لنفسها دون موافقة وليها.
لقد سمح لها بدراسة القانون والشريعة، لكن ليس من حقها أن تعمل كمحامية أو أن تحمل هذا اللقب رغم أنها يمكن أن تتوكل وترافع في القضاء حتى لو كانت غير مؤهلة لذلك وهنا تتساوى مع الرجل غير المؤهل.
أستغرب نهاية سؤالك فهل حماية الإنسان عن طريق سن أنظمة وقوانين فيه إحراج للسلطة ؟ أم العكس هو الصحيح؟


إن العرف السائد اليوم ليس عرف القبائل ولا عرف الإنسان البسيط الذي عاش على هذه الجزيرة العربية إنه عرف كرسته ثقافة شرسة طغت واستبدت.


– صدرت مؤخراً قرارات ملكية بخصوص عمل المرأة .. هل هي مرضية لكم بخصوص ما ذكره التقرير من قلة فرص عمل المرأة بالمجالين الصحي والتعليمي وأيضا الخاص ؟
لا شك أن القرارات الأخيرة عنيت عناية لافتة بالمرأة حيث أن الرقم الإحصائي المشير لبطالة المرأة مخيف حيث تجاوز 28% حسب الإحصاءات الرسمية ، ولكننا لا نستطيع الحكم بعد صدور القرارات مباشرةً وإنما نستطيع ذلك بعد أن نلمس انخفاضاً فعلياً في هذا الرقم المئوي وبعد أن نرى ونسمع التحسن المطروح في مجال التعليم الخاص والتمريض وغيره حتى تحرير هذه الإجابات فإن ما نراقبه هو نية التجار استقدام عمالة نسائية من الخارج لتحل محل بائعي ملابس النساء الداخلية تحت ذريعة أن المرأة السعودية غير مؤهلة لهذه المهمة “المعقدة “.


حملات التشويه


– فوزيه العيوني من بريده التي عرف عن أهلها التشدد الديني .. هل سبب لك مطالبتك بالحقوق أي تصادم مع المقربين منك أو فرضت عليك أي ضغوطات لمحاولة ثنيك من مواصلة عملك الإنساني ؟
على العكس تماماً فأنا أحظى بحب واحترام الجميع من أسرتي وأقاربي والأبعدين أيضاً ولا غرابة في ذلك فمجال اهتمامي إنساني بالدرجة الأولى وقد حث عليه ديننا الحنيف ولا يمكن أن تجد أي تنافر أو تصادم بين الدين وحقوق الإنسان،ولكن لا يمكن أن أنكر أني أتعرض وزميلاتي لحملات تشويه تصل إلى حد التكفير والتفسيق والاتهام بالتغريب كلما طالبنا بحق من حقوق المرأة ومعروف من هم أعداء المرأة المستفيدون من بقائها جاهلة بحقوقها الشرعية والإنسانية فهم أنفسهم رافضو المطالب الإصلاحية التي ستحد من الفساد وتقلص مدخولات جيوبهم.


– كلمة أخيرة كرسالة منك لنساء وطنك وأخرى لمن يعارض حقوق المرأة بالسعودية ؟
كلمتي الأخيرة هي تحية للمرأة السعودية التي اضطلعت – مؤخراً – مهمة حراك اجتماعي وإنساني وحقوقي عوضت عبره سنوات كبت وصمت تحية للنساء السعوديات المتزوجات من غير سعوديين واللاتي يتحركن بشكل فعّال ومدهش لتحرير أبنائهن من كفيل الزوج، تحية لريم أسعد صاحبة حملة “لن أشتري من رجل ملابسي الداخلية ” وأخرى لقادة حملة “بلاشي إحراج ” وليدة الحملة الأولى تحية لهيفاء خالد صاحبة حملة “الطلاق السعودي “ورفيقاتهاورفاقها من المحامين والاستشاريين، تحية لأربعة عشرة طالبة قدن حملة “رفقاً بالطفولة لمكافحة العنف ضد الأطفال ” ولقادة حملة أ”طلقوا سراحي” لمساندة المعنفات والمعضولات،وتحية خاصة مجللة بالأسف للسيدة العظيمة منال الشريف أما كلمتي للمعارضين لحقوق الإنسان فأقول لهم:”إن الحقوق هي الحقيقة، وما عدا الحقيقة باطل ،فإن انتصر الباطل في مرحلة مهّدت له فالحقيقة متأنية ولكن إذا ماتجلت سحقت الباطل”.