أقلامهم

افتتتاحية القبس تحمل كتلتي العمل الشعبي والتنمية والإصلاح مسؤولية التوتر السياسي ونقل البلاد من تصعيد إلى آخر

ها هو دور الانعقاد الجديد ينتهي، وكتلتا «الشعبي» و«التنمية» تخرجان خاليتي الوفاض، سوى نقل البلاد من تصعيد إلى آخر، والتفنن في اشكال التوتير والناس ينتظرون النتائج من دون جدوى.
هذا التصعيد والتوتير لا يتوقفان عند حد، مع ان الحكمة السياسية تقتضي التوقف في كل مرحلة لدراسة ما جرى فيها، واستخلاص النتائج والعبر للمستقبل، ولكن حليمة تبقى على عادتها القديمة..
وآخر هذا العناد، ان الاخوة الأفاضل في الكتلتين، وتحديداً «المخضرمين» في التكتل الشعبي، لم يشعروا بان من الضروري دراسة نتائج التصويت على «عدم التعاون» في الاستجواب الأخير لسمو رئيس الوزراء، والذي حققت فيه الحكومة فوزاً، لم يكن مستحقاً بانجازاتها، بقدر ما هو ناتج عن أخطاء الخصم وتسرعه.


فلو أخذنا هذه النتائج مقياساً للأرقام والأحجام والنتائج، فإن «الشعبي» و«التنمية» تشكلان ثمانية من أصل ثمانية عشر نائباً صوتوا لعدم التعاون، أي ان الكتلتين اقلية نيابية، ناهيك عن انهما اقلية أصلا ضمن نطاق المعارضة عموماً، فالمعارضة كانت قبل الكتلتين وستبقى بعدهما أوسع نطاقاً وأكثر فعالية بشأن قضايا الوطن الفعلية. وفي هذا الاطار تركوا الحدث يمر مرور الكرام، ولم يكلفوا انفسهم، على الأقل، عناء مصارحتنا بما حققوه، وبما عجزوا عنه. فهذا ليس همهم، بل المهم بالنسبة اليهم ان تبقى ماكينة الصراخ والتصعيد شغّالة.


لقد آن الأوان لكي نسأل الإخوة في الكتلتين المذكورتين: لماذ هذا التصعيد المستمر ولمصلحة من حصر المعارضة في أشخاصهم الكريمة واستبعاد طاقات كبيرة وامكانات كثيرة؟ أو بالأحرى لمصلحة من تعطيل المعارضة المنتجة في البلاد والتشويش عليها؟
الإخوة في «الشعبي» و«التنمية» يسعون للتفرد بالقرار، ويقدمون أنفسهم على انهم المقياس، في النهج والموقف، وان كل من لا يقرّهم عليهما، انما هو في الجانب الآخر «حكومي» و«موال» و«صاحب مصلحة» و«مستفيد» وربما وصلوا أحياناً إلى اتهام من لا يجاريهم في الرأي بأنه غير وطني، أو مؤيد للفساد.
لقد استخدموا هذه اللهجة، أو بالاحرى هذه اللعبة، للتشكيك في اطراف واسعة تنتمي إلى المعارضة، رؤية وطرحاً ومواقف، كما استخدموها لتخوين زملائهم في المجلس والتشكيك في ولاء من لا يرى رأيهم ولا يسير في خطهم، وبذلك يكشفون عن جهل فظيع، أو تجاهل أفظع، بتاريخ البلاد، وجهود قواها السياسية الفاعلة، والتي اليها تعود، بالدرجة الأولى، الانجازات التي تحققت نحو تكريس الدستور والالتزام بالديموقراطية التي ينعمون، هم كذلك، في ظلالها.


تضررت الأمة من نهجكم، وهي التي رفعتكم إلى هذا المكان لتمثيلها، ولكي تساهموا في نموها وتقدمها تشريعا ورقابة على بقية السلطات، لكنكم، بمواقفكم، اعطيتم الحكومة ألف مبرر ومليون حجة للتنصل من تحقيق أهم واجب عليها، وهو الانتقال بالكويت إلى مرحلة أكثر تطوراً وتقدماً في مختلف الأصعدة.
هاتان الكتلتان بنوابهما الثمانية، خلقتا «سنّة» للمعارضة تضر ولا تنفع، تفضح ولا تعاقب، تستجوب بشأن الفساد ولا تسقط رموزه، فجاءت النتائج مدمرة. ونسألهم: كم من الفاسدين أرسلتم إلى السجن؟ هل أوقفتم دورة الفساد التي تتسع يوماً بعد يوم، إلى درجة ان التمادي في السلوك السلبي جعل دورة الفساد هذه تقتحم جدران مجلس الأمة وتشتري زملاء لكم – كما تقولون – وقد اكتفيتم بالتذمر والسكوت على الحال المحيطة بكم، والتي تكاد تحاصركم من كل صوب، بعد ان ابتعدتم عمن يجب أن تكونوا معهم صفاً واحداً حتى داخل المجلس نفسه؟!


لقد شغلتم المجلس عن نفسه فنسي مهمته الاصلية في الرقابة والتشريع، وقد اكتفيتم من الرقابة بالاستجواب فألغيتم التدرج في المساءلة واستخدام الأدوات الدستورية التي لم تعد ذات معنى معكم، فتضررت بأسلوبكم، وعندما شرّعتم أوجدتم قوانين عقيمة تساهم في تعطيل التنمية، وأحيانا كان يظهر بعضكم كأنه يتعمد ذلك بحجج مختلفة، ابرزها رفض أي دور للقطاع الخاص، ولو أثقل ذلك على القطاع العام حتى كاد يرزح تحت الأعباء من الاضافات والعلاوات والزيادات والكوادر، كأن المطلوب استنزاف المال العام حتى آخر فلس، وبذا خذلتم الاقتصاد الوطني، وفرضتم القوانين المعرقلة والمقيدة لنموه، وما قانون الــB.O.T الذي ابتدعتموه سوى نموذج لمساوئ نهجكم في إخضاع الاقتصاد للسياسة.
هذا من دون ان ننسى دوركم في تدني لغة الخطاب في مجلس الأمة وبين أعضائه، الى درجة باتت قاعة عبدالله السالم تخجل مما نسمعه، خصوصا أنها تحولت في العديد من جلساتها إلى ساحة لتصفية الحسابات وتسجيل مواقف من نوع «النقاط» في خانة الأخرى، وإثارة نعرات ما انزل الله بها من سلطان.


لقد أسرفت الكتلتان، ومعهما نواب الحكومة في استنزاف أموال البلد، والتقت مصالحهم في الابداع تبذيرا في كل اتجاه، وبالغوا في كل اشكال التقديمات، وبالتالي تبديد الموارد من دون اي حساب لمصالح الأجيال المقبلة.
والأخطر من هذا وذاك، اي الفساد والتبذير معاً، وكلاهما يغذي الآخر، هو الانطباع الذي خلفه هؤلاء النواب بان البلد زائل، وان نهبه هو الخيار الأفضل، وما على المواطن سوى ان يحصّل اكبر كمية من امواله، ويغرف اكبر قدر من خيراته بحيث يفقد الوطن الكثير من معناه، فلا يبقى من ضرورة للاهتمام بالتنمية والمستقبل.
نقول هذا الكلام لكي ننبه إلى خطورة نهج سائد، أصبح بعض نواب المعارضة في كتلتي العمل الشعبي والتنمية والاصلاح، وعدد من المحيطين بهم، أسرى له، من دون وعي بكل مخاطره وأبعاده، ونخشى ان يكون قد أصبح الاصرار على الخطأ فضيلة!
رغم صوتكم العالي ونبرتكم الحادة، فأنتم الوجه الآخر للحكومة في تعطيل البلد وتقهقره، سياسةً واقتصاداً وتعليماً وصحة وثقافة ورياضة واجتماعاً. ومهما كابرتم وعاندتم، فإن الحكومة تتغذى من كل هذا النهج، وتتكل على هذا السلوك لكي تغطي تقصيرها وتبرر غياب رؤيتها وانعدام إرادتها السياسية.
نقول هذا الكلام ونحن نرفض أي تشكيك في نزاهة نواب الكتلتين وقدراتهم ووظيفتهم، فنحن نقدر الأشخاص ونحترمهم، لكننا ننتقد نهجاً ضاراً بالبلد، كما بالمعارضة التي يزعمون الانتماء اليها، لكي نحذرهم مما وصلوا إليه, لأن الأمور تقاس بخواتيمها، والأعمال بنتائجها. فالحياة السياسية تكاد تتوقف، والثقة بين القوى السياسية تتراجع أكثر فأكثر حتى تكاد تتلاشى, وكل ما نسمعه هو جعجعة من دون طحن، وحان الوقت لأن تكون هناك معارضة منتجة، وليس عنتريات وتسجيل انتصارات وهمية.
لقد تفردتم فأخطأتم واضررتم بديموقراطيتنا، وما عليكم إلا أن تعودوا إلى رشدكم السياسي، فهناك حد أدنى أو قضايا مشتركة يمكن أن تجمعكم مع أكبر قدر من القوى السياسية والمواطنين، وعندها لن تفيد أغلبية ولن تجدي سرية، وستنصاع الحكومات للمطالب الشعبية ما دامت المصلحة العامة فوق الجميع.