آراؤهم

آهات رجل عجوز

أنه رجل قد فاق الثمانون عاما من عمره ، رجل عجوز ، ولكن بعقل متزن ، وذاكرة قوية ، يجلس وحيدا أمام التلفاز ، ويشاهد ما يدور في هذا العالم الحزين من مآسي وأحزان وكوارث حلت بأمتنا الإسلامية ، وينظر إلى تلك الثورات والاحتجاجات البركانية التي اجتاحت منطقتنا العربية بأكملها والتي أخذت تنهش بأجساد شبابنا المسلم في كل بقعة من بقاع هذا الوطن العربي الغريب ، ويتساءل في نفسه ، لماذا يحصل هذا الشيء وفى هذا الوقت بالذات ، هل هو القدر ، أم إنها خطة غربية صهيونية خبيثة تبث سمومها العفنة والقذرة إلى هذا الجيل العربي ، والذي للأسف لا يعرف كيف يقود هذه الثورات والاحتجاجات بالطريق الصحيح ، أم إنها كما يقولون الحرية والإصلاحات ، فما أدراكم انتم عن ما هي الحرية التي ينددون بها ، والتي يتقاتل بها الشعوب العربية ، لكي يصحوا ويروا أما الموت على يمينهم أو العذاب والحسرة على يسارهم ، فهيئات لتلك الحريات المشلولة التي أفقدتنا معنى الراحة والآمان في أوطاننا ، وخسئا لهذه الحريات التي أذاقت جيلنا الويلات والتشرد من بلاد إلى بلاد ، أو يعتقد في نفسه ويقول ، قد تكون هذه هي ضريبة القضاء والانتهاء من الأنظمة الفاسدة التي حكمتنا سنين طوال ورأينا فيها العجب العجاب من استعباد واحتقار لشعوبنا العربية ، ومن ظلم وقسوة الحكام والحكومات الجائرة والمستبدة في عالمنا العربي والتي همها الأول هو احتقار الناس بكل الوسائل الخبيثة والتنكيل فيهم بأشد العذاب والهوان ، ويتساءل هذا العجوز في بال نفسه ويقول آه و آه فيا ليتني لم أعش هذه اللحظات الحزينة والمبكية من عمري ، يا ليتني لم أشاهد تلك المآسي والآلام التي حلت بقومي ، يا ليتها كانت نهايتي ،، وهنا يشرد خيال عجوزنا الواسع إلى ماضي جميل وأنيق ، ماضي قد ولى وانتهى مع هذا الزمان الأغبر والمنحوس الذي نعيش فيه ، ماضي كان فيه التماسك والآلفة والمحبة تجمع كل الأهالي في البلد الواحد ، كانوا متكاتفين لأبعد درجة ، وكانت نفوسهم أكثر طيبا وتقاربا فيما بينهم ، وكانوا يدا واحده ، برغم الفقر والبساطة التي كانوا يعيشون فيها إلا إن ماضيهم كان جميلا بحلوة ومره ، هذا هو الماضي الجميل الذي فقدناه في زماننا هذا ، انه ماضي العطاء بدون مقابل وبدون مصالح دنيوية ، ماضي الصدق بالكلمة والعمل ، انه ماضي الحضارة والتاريخ الجميل والحكمة السديدة ، فكانت بساطته في كدح أهله الأبرياء لتحصيل لقمه عيشهم بالحلال وبالعمل الشاق الذي ينبع من وجدانهم البريئة ، وكان حسن الخلق هو ما يتحلى به الناس حين ذاك ، والنظرة الجميلة والبسيطة التي كانوا يعملوا بها لكيفية إدراكهم للأمور لا بالتعالي ولا بالدنيوية ، كما نراه الآن في تعاملاتنا الخدماتية ، فكم آه وكم حسره على الماضي الذي ذهب بدون أن نتعلم منه معنى الاحترام ومعنى الإصلاحات التي يحتاجها المواطن لكي يطور من نفسه إلى الأفضل ، وكذلك إلى تعلم معنى الحريات التي يترقى بها الإنسان إلى الأعلى  ، والخالية من التعصب والفتن الطائفية ، والتي تنبع من قلوب مؤمنة خائفة على أوطانها  ، وفجأة أنقطت الكهرباء على هذا العجوز المسكين وهو يردد ” ألا ليت الشباب يعود يوما ….  فاخبره بما فعل المشيب ” .

عــادل عبــــداللـة القنــاعــى

adel_alqanaie@hotmail.com