سبر القوافي

من كل شاعرة … ‏(زهرة)‏

لم أتجرأ يوماً أن أفكر ولو مجرد تفكير برميي كتاباً في سلة المهملات بين الأوراق الزائدة والتالفة ، إلى أن جاء هذا اليوم ورميت ديواناً لإحدى الشاعرات ، كانت في بداياتها حقيقةً ، حاولت أن أعطي هذا الديوان فرصة ، أخذتُ أقلبّه يمينا وشمالا..ولكن دون جدوى و دون أيدي و أرجل ، مع انه باعتقادها : يحمل من الورد والجوري ما يسدالحاجة!!..كان  مجرد احتوائه حديث عن ذاتها ، عن شنطتها عن كليتها عن نرجسيتها ونرجسية والدها بها، كان ديواناً أقل ما يقال عنه سطحي ربما كان له رسالة ، لكن أيقن بأنه لا يملك المعنى .. 


لذلك هناك الجيد والمتحف، وهناك ما يُخجل ويحزن ولا يختزل هذا الأمر على الشاعرات بل أيضا الشعراء … رغم أن الديوان الوحيد الذي رميته كان لشاعرة إلا أن  ما أشعلته المرأة في طريق الشعر من قناديل الحب والوفاء أرانا  الملهِمة .. عندما تصبح مُلهَمة وتتغنى بالرجل، بالعتب و الغزل ، بالفخر و الهجاء ، بالمدح والقدح .. سواء كان شعرا شعبيا أو فصحى .. فبعض الشاعرات تخطين الكثير من زميلاتهن، و وضعن بصمة تلجم أفواه من يقسم الشعر نسائي و رجالي .. ومن هؤلاء الأوائل الشاعرة ( أبعاد التركي) أبعاد حاكت من قصائدها ما يحكي عن ما بداخلها  بصراحة .. بعيد عن اللون الوردي التي تمسكن به أغلب الشاعرات .. فهي أخذت تصدح وتتمنى .. وتعاتب و تتوجد بعفوية كاملة دون خوف .. لم تتصنع في تغليف أبياتها ..  حكت ذات زمن عن رفيقتها مضاوي، عن ما دار بينهما من حديث حول أمنيات وطموح أبعاد  :


” في الزاويه هـذيك تجلس مضاوي 
وهناك ناس وليل وانفاس عرقا


مـشيت خطوة وأتبعـتها خـطاوي 
وصافحت مـن تفرق عن الخلق فرقا


قالت زحام قلت :والصـدر خاوي 
مدينة الغربه و الاحلام خـرقا


قالت تعبتي ؟ قلت :والعود ذوي 
في حال من يطرق به الهم طرقا


ودى اعيش بوسط رجمن خلاوي 
في منزلن تضحي به الشمس شرقا


يمرني سـرب الحمام امـتخاوي 
واحس روحي كل ما طار ترقا


بارض عـذيه حدر لونن سماوي 
وكفوف من عـذب التقاطير غرقا


وأختار لي شخصن شـفوقن وهاوي 
نسـل بدوين ماوطا الدرب سرقا


عـقيـد قـوم مبعدين الهـقاوي 
عـدوهـم ما سـبل الجفـن حـرقا


هذي مـناتي للعمر يا مـضاوي 
ترب وحـدوده سماوات زرقا “


ابعاد .. لم تنصف شعورها فقط .. بل كانت أكثر واقعية حتى بالعتاب لم تبالغ ولم تكثر .. كان يخالط توجدها .. نوع من العاطفة يجبر أي شخص للتعاطف معها ..


” وان لمحت اسمي ترفّق بـه وبادلـه المبـره
كثر مابادلك شوق وكثر مـا ودّعـك  هايـب


لك على يمة عروق القلـب يالمغـرور جـره
ماتواريهـا السنيـن ولا تغيرهـا النـوايـب


والله ان قربك يسر الروح وفراقـك  مضـره
وأنت علّة خافقي وأنت القريب من  القرايـب


ماقدرت اتوب عن ذكرك وعن حلـوك ومـره
ليه عن ذبح الغلا ياصاحبـي مانتـه بتايـب؟


هاك ميـزان الجـروح وقيسهـا ذرة  بـذرة
ماوزنت الا غـلاك ولا طعنـت الا  الحبايـب “


***

جُمان .. الشاعرة والعاطفة .. رغم أني قرأتُ لها صدفةً في الشبكة العنكبوتية إلا إنها سحرتني .. وأمرتني حروفها بمتابعتها أينما ذهبت وكيفما كتبت ..


” يَا أَرض .. صُوتِي مِنْ دفَنْتِيه فِي الرّمْس


أرّخْت به عُمْـر الحَقِيقَـة مَـع اليَـاس


هَذا ضمِيـرِي ينْتهـز غَفْـوَة  الشّمـس


يُوقِد شُمُوع الجَرح مَـع غَفلَـة النَّـاس


حَطَّاب حِلمِي يصْفق الخَمْـس  بالخَمْـس


مَدرِي جفَـاه الصُّبـح أَو خَانـه الفَـاس


مَعْزُوفَة  الما  ..كنَّهَا لا صَحَى  أَمْس


سَبَّابةٍ تكْتبْ عَلـى الغِيْـم  لا بـاس  


تغْسل بقَايَـا الليْـل والخَاطـر  العَمْـس


لا مِن تجَرَّع مِن عَنَـا الذَّاكـرة  كَـاس”


تلك إحدى قناديل ( جُمان) .. فهي أبدعت و وفّت لكنها لم تُكفّي ..بانتظارها .. وكما قالت:


” لو بلبل الوقت رفرف له


باكر تجيني  مراسيله  “


***


( أغراب ) .. إن قالوا شعر نسائي شعر رجالي شعر طفولي .. فتلك الأنثى تختلف عما يصفون ويقسّمون … تقول :


” تعال  واسمع  أربع ابيات  دونت 
و خذها  تحدّي  بين موج ٍ  و قارب :


لو  تترك العذرى  بلا راع  أو خنت 
حق الأمانة  ثم عوى الذيب.. كارب ! 


لو  الظلام  اتنفس الخوف  واذعنت 
في نزغة الشيطان..  و الجو طارب ! 


واضحى عفافي  لعبه ان : شنت  أو زنت 
و صار الحبل  يلعب على كل  غارب !


والله أن تلقى من افعال  هالبنت ! 
رجّال يسوى له  ثمانين شارب “


وتعدنا أغراب بأنها لن تتغير ولن تتصبغ ، ولن تتلوث .. تقول:


” تهبّ  من الفتن ريح ٍ  وهمي : ” لا يطيح الشال ” ! 


قبضت الدين  كالجمر  و سألت الله  تثبيته !   “


***


(منتهى القريش) .. تلك المبدعة أين ما تلقاها تتقن وتبدع وتقنع … تأخذنا بكل مراحل المرأة من مزاجية وظلم و إنصاف .. متناقضة حد الجمال ..


” قرب اكثر


أريد اكفر


بكل من حولي


الخلايق كلها


دهشتي وكومة ذهولي


اتعرى من ذنوبي


وم الخطايا آتطهر


وانت قربي .. كل شي فيني يتغير


اي وربي


تصدق اني في وجودك


أصير احلى … أصير اصغر


قرب اكثر


تعبت وآنا في غيابك اشرب المر


وامشي وحدي في دهاليز المدينه


حتى ضحكاتي ف مداها


تصدق انها موحشه صارت حزينه


قرب اكثر “


***


( قسمة العمراني ) .. بعفويتها ، بطيشها .. تأخذ القلم وتلون لوحات ، أو مذكرات شخصية .. أستطيع أن اسميها مذكرات طفولية ..  تشعل الحنين،  وتوقده  بصدورنا …


“ودي أسمع صوتها وآخذ حنينه


صوتها المخنوق عبرات حزينة


يبكي الهاتف ونينه


و اتذكر كيف كانت..


في الصباح الباكر المجنون : تظفر لي الجديلة


كنت أضم الحلم في قلبي و اشيله


والبحر من رمله الناعم بنيت قصور


لا مالي الجميلة..


كنت طفلة ..طفلة


أمشي على ظهري حقيبة


وسطها بين الدفاتر دست أمي


سندويشة.. وفي يدي أقلام و ألوان


وريشه .. وفوق كراسي كتبت


اسمي الرباعي .. وداخله مسرح تلاويني بطيشه


أرسم الماء .. والشجر


وعصفوري اللي قصقصوا


أطراف ريشه “


***


تلك الباقة كانت من السماء هطلت  علينا أمطارا نقية ، .. من شاعرات  جميلات هادئات لم يتعبن بإيصال ما بخلدهن من قضايا .. من إحساس .. أو شعور … ليؤكدوا بأن مواطن الشعر لم تختزل على نوع أو جنس أو لون أو عمر .


مشاعل الفيصل
Negative87@