عربي وعالمي

أخجلتهم أردوغان

تحية لأردوغان.. وتحية للشعب التركي، الذي قال كلمته للفلسطينيين “لقد قدمتم الكثير منذ الستينيات وجاء دورنا لنقدم الشهداء”، تحية للشعب التركي الذي تجاوز في طلباته طلبات حكامه، فالشارع التركي يطالب بمواقف وخطوات أوسع وأقوى مما تنجزه حكومة تركيا، وفي هذا السياق كتب الكاتب الجزائري عبد الناصر في جريدة الشروق وإليكم مقالته:

أخجلتهم أردوغان 

حتى لو سلّمنا أن تركيا بعد أن عجزت أن تكون “ذيلا” في جسد أوربا القوية ارتضت مُكرهة وليس بطلة أن تكون “رأسا” في جثة الشرق الضعيف، حتى لو سلّمنا أن تركيا بعنتريتها الأخيرة إنما تُطاول الموقف الإيراني المتحدّي للكيان الصهيوني فانتقل رجب أردوغان للتنفيذ بعد أن خطف أحمدي نجاد الأضواء بالتهديد والوعيد……..

حتى لو سلّمنا أن تركيا بعد أن علمت أننا أمة عاطفية واستهلاكية وظاهرة صوتية صارت تدغدغ أحاسيسنا لتبيعنا الخِمارات والكتّان والسيارات المركبة ومسلسلات نور والعشق الممنوع وصور أردوغان، كما باعتنا إيران البرقوق المجفف والسخانات ومسلسلات الصدّيق يوسف ومريم البتول وصور أحمدي نجاد، حتى لو سلّمنا أنها جعجعة بلا طحين وقرع طناجر أو ذر رماد في العيون، حتى لو سلّمنا بكل هذا وبأسوأ منه إلا أن ما يقوم به رجب أردوغان هاته الأيام وفي عز الثورات العربية والتحوّلات العالمية صار يثير الاحترام والحسد أيضا، ومجرد أن يفكر في زيارة غزة تزامنا مع احتفال الأمريكيين بالذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أعلنت فيها الولايات المتحدة حربها على الإرهاب الذي تعتبر حركة حماس جزءا منه هو موقف من المفروض أن يُخجل حكام العرب الذين يكنزون ملايير الدولارات في سويسرا وإنجلترا حيث مصايفهم وقصورهم وأبناءهم وصديقاتهم ولم يفكر أي منهم لزيارة غزة ولو من باب الرياء أو الحملة الانتخابية أو دحرجة للبراميل كما يُقال عن رجب أردوغان.

الغريب أن تركيا التي ترنّحت سُكرا في أحضان الغرب على مدار ثمانين عاما واعترفت بإسرائيل في الوقت الذي رفضت الدول الشيوعية الملحدة الاعتراف بها لم تكن تلقى الانتقاد أو حتى اللوم، والآن صارت أي كلمة تخرج من فيه أردوغان، وأي خطوة تقوم بها أنقرة ضد الصهاينة إلا واعتبرت نفاقا وضحكا على أذقان عرب نصفهم رفض حلق ذقنه إيمانا منه بأن اللحية تدخله الجنة حتى ولو بقي القدس يهوديا، والنصف الآخر أغرق ذقنه في عسل الدنيا، ولأننا كنا دائما ظاهرة صوتية لا نتقن الأفعال ونتفنن في الأقوال وأمة رد فعل في غياب أدنى فعل فإننا الآن ما? ?صرنا صوتا ولا رد فعل بل أمة لا تفعل ولا تريد لغيرنا أن يفعل ولا تقول ولا تريد لغيرنا أن يقول.

من حق تركيا أن تبحث عن مصالحها وطوبى لها إن كانت مصالحها في دعم فلسطين، فقد بحثنا عن مصالحنا منذ عقود فكان نصفنا أصم أبكم لا يرى ولا يفقه، والنصف الآخر ارتضى بيع القضية بدولارات لم تُغن شعبه ولا حكامه ولم تسمنهم عن جوع.

عندما كان أحمدي نجاد يقول إن إسرائيل يجب أن تزول كان بعضنا يقول إن الرجل رافضي وفارسي لا يمكن أن يكون صادقا وأتباعه يلطمون وجوههم في عاشوراء ويسبّون الصحابة الذين لا نحن حفظنا وصاياهم ولا اتبعنا نهجهم فأضعنا القدس التي هم حرّروها، والآن عندما تحدى رجب أردوغان الصهاينة صار بعضنا يقول إن الرجل علماني لائكي يتقرب من الأمريكيين ولا يمكنه أن يصدق وصور ناسف الخلافة العثمانية كمال أتاتورك تزيّن مكتبه وكل مكاتب الحكومة التي يرأسها وحتى صالون منزله وغرفة نومه، ولسنا ندري ماذا فعل الاشتراكيون والرأسماليون ورجال الدين عندنا ولا أحد تورّط في موقف تحدّي كما يفعل رج في شوال. 

عندما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله إن ابن باديس سابق لعصره لم يُخطئ أبدا، فعندما توفي زعيم العلمانية التركية عام 1938 رثاه شيخ الإسلام بن باديس وأثار رثاءه اشمئزاز رجال الدين في عصره وفي العصر الحالي فاتهموا بن باديس بالجهل وسوء التقدير وحتى الماسونية بعد أن ترحّم على كمال أتاتورك وقال إنه من رجالات الإسلام لأنه بنى الدولة وهو المطلوب من أي حاكم، أما عن الدين فهو مطلوب من كل الشعب، فمرّت السنوات وأعطت تركيا اقتصادا قويا وزعيما واثقا من نفسه، فماذا أعطانا الذين ظلوا يندبون الخلافة العثمانية التي قدمتنا جميعا في طبق للاستعمار الفرنسي والإنجليزي.