سبر القوافي

( متنبي ) الشعر الشعبي ..

على نار أنتظر و متاني ألأحباب  
وإندق باب بيتي وألقلب ذاب  
إطلعت للباب عود ألباب أفتحة   
لقيت ألباب طالع فاتح ألباب  

عبدالحسين الحلفي الشاعر العراقي، أو ( متنبي الشعر الشعبي ) كما سماه الناقد مالك المطلبي، من مواليد البصرة، عاش حياته ليكون أحد أعمدة الأدب الشعبي العراقي، حاصل على بكارليوس في علم الفيزياء، وتوفي في شهر فبراير هذا العام عن عمر يناهز الأربعين بعد صراع مع مرض العضال، وفاة هذا الشاعر اعتبرت خسارة كبيرة للشعر الشعبي العراقي، فهو في الثمان سنوات الأخيرة حصل على  أكبر قاعدة جماهيرية قد يحصل عليها شاعر شاب في عمره، فقد تميّز شعره بأنه مفاجآت جميلة من الأضداد والتناقضات، والتي هي سبب شهرة قصائده. هذا الشاعر النحيل افتقد أجمل اللحظات في نهايات حياته وأعطى أجمل اللحظات في نفس الوقت؛ فقد ظل ينتظر أعياده بتلك السنين الأخيرة، فالأعياد لا تأتي إلا إذا لقيت لها مكان.. وعند هؤلاء الأشخاص ليس هناك متسع للعيد إلا بجمال الروح، وما أجمل روح هذا الشاعر النحيل، منذ أن علم بمرضه كثف نشاطه الشعري ووسع مكان لأعياده، فجهز لوفاته.. ضل يصارع المرض و يطربنا بنفس الوقت، وهذه الأبيات قطرات من مطره: 

” إبوطنا ألضحكة شردت من ألحلوق
وألعيدية دوم إمزاعلة الإيد
يجينا إلعيد جان، ومامش هدوم 
هسة هدوم عدنا ومايجي إلعيد “

” يل رحت زعلان من عندي ومشيت
إعذرني ..جي خليتك بزعلك رحت
لأن ما لحقت اقلّك لاتروح
بس ثقل وجهك عليّ.. آنا طِحٍت “

” جم محب حاول قدر ينسى الحبيب
وآنا من أنساك اظل دايخ عليك
إنت حبك يختلف فد شي غريب
حته نسيانك حلو يذكرني بيك “

“حلو وتتقلب ويختلف وضعك
وقذلتك طايرة وتلعب على ألريح 
ألوحيد أنت حلو و محد يتبعك 
لإن من تمر كلها تدوخ وتطيح”

” ونظراتك عرش ورموشك الحراس..
وما رايد حياته إلبيك يتغزل

ولك يا مدري شنهي وخدك ولايـات..
وشفافك محطة وريلها معسل

والمشيه احتفال وترصلها القاع..
وبهزه أيديك اقلـوب تتدندل

والركبه سوالف طشت اعله الناس..
 المخبل عقل ، والعاقل اتخبل “

تميز الحلفي بعفويته بالإلقاء واختيار المفردات، والانطلاقة بالمعاني بحرية، فعفوية العاشق العراقي البسيط عندما يعبر عن ما بداخله من حب وإعجاب وغزل تصبح هكذا الكلمات ترشرش النقاء من حولها .. وأيضاً اشتهر عبد الحسين بذكاء أبوذياته وجمالياتها وبساطة مفرداتها، فهو لم يثقّل الكلمات ويغلفها بالرموز والعقد والمعاني القابعة بجوفه فقط بل أخذ يغرد بنغمة فريدة ووحيدة؛ لكي يسمعه ويطرب له كل من له أذن تعرف الجمال.. :

” باد الحيل واتعس بيده هايه
وطلع ماكر حبيبي بي دهايه
سالمني وشبكني بيده هايه
وبيده الثانيه يأشر عليّه “

” عليك القيت حجه والقي يامه
ويامه براسك احجي والقي يامه
تدري الحشر يمتى والقيامه
القيامه والحشر: زعلك عليّه” 

” الجرح جرحك يـ قلبي ماشِفيته
الحلو الموزون مشيه ماشي فيته
شمالك من تعده ماشفيته
جا حاجيته بلكي يصير اليّه “

” لساني لو تحبني شاطراني
واكرهه الذي بحبك شاطراني
اخذت 100 بمحبتك، شاطر آني
اذا غصبا عليك تصير اليّه “

وهذا الجميل عبد الحسين الحلفي أتى محملاً بالشعر والمطر.. وذهب تاركاً عذوبة لا تنتهي ولا تتعكر، لم يبخل يوما بأن ينزف هذا الإبداع ولم يكل من إيصال صوته، وكسب إعجاب أبعد شخص في وطنه العربي.

                                                                                                                     مشاعل الفيصل
                                                                                                                                                             @Negative87