سبر القوافي

خلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر!

« الكتابة عمل سهل، فليس عليك إلا أن تحدق في ورقة بيضاء إلى أن تنزف جبهتك» دوجلاس آدامز. جميل أن تكون الأمور بهذه السهولة، أن تكون الكتابة أفكارا وآراء مطروحة برغبة فردية وداخلية، غير ممسوسة أو مخلوطة بآراء شخص آخر وبالإجبار. خاصة أن الكتابة حالة شفافة وسرد أسرار من الرأس الى القلم ثم الورقة ثم إلى القارئ إن وجد فمن الصعب على أي شخص تلقي الأوامر بما يكتب أو يريد كتابته، خاصة عندما يكتب ما يجول برأس غيره. وأنا لا أقصد هنا كتابة آخر الأخبار المحلية أو الأخبار الفنية، بل أقصد أخبار الفكر وأخبار ما يجول بخاطر المرء نفسه أو قريحته الشعرية، فالشعر حالة بين الوعي واللاوعي يملي بها العقل القلم ما يمكن كتابته دون تدخل من الشخص نفسه، فكيف لطرف ثالث التدخل؟! أو بالمعنى الأصح كيف الكتابة بوعي تام كأنه يكتب أخبار الصفحة الاقتصادية؟! هنا تحول الشاعر كأنه نجار يفصل ما يشتهيه الزبون، ولا يعتبر شاعرا مهما أبدع بالقصيدة بل يعتبر ساردا، لأنه مبدع على حسب الطلب وتحت رسم خدمة المستمع.

إن الملكة تأتي لتحترم لا لتباع أو تقاس بمعايير مادية، هي لها طقوس وأجواء وكيمياء غريبة عند أكثر الأدباء والشعراء، كل من هؤلاء المبدعين له طقوسه الخاصة وظروفه التي استحضر الفكرة بها، كـ «نزار قباني» فهو لا يعرف الكتابة الا على الأوراق الملونة المبعثرة من حوله الزهري والاصفر والأزرق، وأيضا «جيرارد» الشاعر الفرنسي لا يعرف الكتابة إلا على ورق وردي وان لم يجد رسم زهورا وعصافير حول القصيدة. وأحيانا متطلبات الابداع تكون أغرب من ذلك، فالشاعر الألماني «فريدريش شيلر» كان يضع تفاحة في درج المكتب الذي يكتب عليه، ليشمها ويتحسسها بين حين وآخر أثناء الكتابة، فهي تجدد عنده الالهام للكتابة. أما الأغرب والأطرف هو الشاعر الدانماركي «هانس اندرسن» كان يكره الأديب السويدي ستريتر برج، فكان قبل أن يكتب يعلق صورته مقلوبة على الحائط ويقول: هكذا يجب ان تظل هكذا مشنوقا تتعذب وانت تراني أكتب. أما فيكتور هوجو وكان يفضل أن يتعرى من ثيابه جميعها أثناء الكتابة. ولا يقل أبو عبدالرحمن بن عقيل غرابة عنهم، فقد شوهد يغسل قلمه بالماء قبل الكتابة أكثر من مرة. وأيضا د.«جونسون» فكان من عاداته قبل أن يبدأ في الكتابة أن يسير في الشارع ويلمس أعمدة النور ويعدها. أما الروائي أنجيلو رينالدي فكان يحرص على أن يرتدي ربطة العنق أثناء الكتابة احتراما لقواعد اللغة كما يقول، وكان أرنست همنجواي يكتب وهو في كامل لباسه الرسمي وأناقته غير انه يفضل الكتابة وهو واقف. وأيضا سارتر كان يأخذ سيمون دي بوفوار إلى انفاق المترو ويشرح لها كتبا ونظريات وهمية فإذا أحس بانبهارها بما يقول من أفكار يبدأ بتأليفها. ‏ الفيلسوف «فولتير» كان يكتب وأمامه مجموعة من اقلام الرصاص، وحالما ينتهي من الكتابة كان يكسرها ليضعها تحت وسادته ثم ينام، وأيضا يحكى عن الشاعر الكبير «الجواهري» انه عند كتابة القصيدة كان يغني المقامات العراقية القديمة وهو جالس في الحمام. أما أبو تمام فقيل عنه إنه لا يكتب الا بغرفة حارة بعد أن يرش أرضها بالماء.

هناك كثير من الأمثلة التي تشهد على أن الكتابة إلهام تهيأ له الظروف فهو لا يأتي من أمر أو نهي من شخص ما، يقول الفرزدق: إن خلع ضرس أهون علي من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات.أحيانا يصعب على الأديب أن يستحضر الفكرة فليست كل الظروف تصلح لحضورها، فالكتابة هي ولادة فكرة، فإما ان تكون ميسرة او معسرة، وإما ان تكون الفكرة سليمة وجميلة او تكون غير مكتملة فتموت.

  مشاعل الفيصل

@Negative87