أقلامهم

أفراح الهندال : الرّبعي الذي لم يكتب كتابا..! كان كتابة ورسما وتلوينا للحياة..

الرّبعي الذي لم يكتب كتابا..! 

أفراح الهندال 
آخر لقاء جمعنا بالراحل د.أحمد الربعي، كان في رابطة الأدباء في 21-5-2007..تحدث يومها عن ذكريات من حياته، والتقاطات من مسيرته في النضال من أجل الحريات والجمال والمحبة في العالم، وعن مرضه، وكانت العبارة الأكثر أثرا في تلك الأمسية والتي أستذكرها وصوته حاضر بقوة عن مشاعره بعد الغيبوبة الطويلة وإجراء أول عملية للورم في رأسه قوله: حين فتحتُ عينيّ ..كان أول ما قلته هو «آااااخ ما كتبت كتابي..!»..
هذه العبارة تحديدا تأتي مختلفة من بين كل ما أستذكره من مقولات للراحل الملهم خاصة في ذكرى رحيله الرابعة في 5 مارس الماضي، عادتني تتفقد تركته التي استبقاها أمانة بين أيدينا وأفكارنا، أستحضرها بصوته المميز، وتأمله الطويل بعد إلقائها، وتفحصه الوجوه والمقل الدامعة لحضور الندوة.
صحيح أنه كان رائعا لو ضمت مكتباتنا كتابا للربعي؛ خاصة في تخصصه الدقيق المتعمق بالفلسفة الإسلامية، تلك التي تولى لواءها متشددون بعقليات متحجرة لا تعرف للحوار معنى ولا للنقاش مساحة، كي يضيف إلى من أبدعوا في هذا المجال، فمن سواهم شق الدرب الذي نحاول تعبيده لخدمة الحياة؟ 
ولكننا لو راجعنا آثاره التي تركها بيننا، تدوين الفكر بالقضايا اليومية؛ كتابة المقالات، والعمل البرلماني والأكاديمي في جامعة الكويت كان جميعه كتابة..
 مباغتته لمحاضراتنا الجامعية تاركا كرسي الوزارة لسويعات كي يكتب كلمة على السبورة وينكش الطمأنينة كان كتابة..
 مقابلاته الإعلامية التي لم تتخذ سوى محرك البحث عن الجمال عوضا عن الصراخ والتكفير ورفض الآخر كان كتابة ورسما وتلوينا للحياة..
وهذا ما يوجب علينا جَمعه وكتابته نحن بدورنا، فرغم أن مقالاته جُمعت في كتاب، والإعلامي الكاتب يوسف عبد الحميد الجاسم أصدر كتابه الرائع «وداعا يا أحمد»، وقيل إن له ديوان شعر لم يطبع قد يأخذ طريقه للنشر، وربما، يكتفي بعضنا بالذاكرة المشبعة بأحاديثه ومواقفه الواضحة أمام قوى الظلام، ولكن فوضى هؤلاء لا ترحم النور، وسنَتوهُ لو حاولنا التقاط ومضة بعد ذلك..وكأن أكفـّنا لا تتقن التدوين كالذاكرة!
صوته ما زال يلوح مطلا من بين ذكرياته التي ود لو دونها..فمتى يرصدها لنا أصدقاؤه؟
***
عن غيبوبته التي نازعها الربعي بأمنية الكتاب؛ كتب مقالا رائعا في «الشرق الأوسط» يهادنها، كمية إضافية للفرح كتبها بحميمية حينئذ قائلا:
«حين ندخل الغيبوبة يتكثف الزمن وتصبح اللحظة دهرا من الفرح الجميل، لحظة لا تتكرر، لا يمكن قراءتها أو كتابتها أو فك رموز حروفها.
حين تكون في شغل شاغل تضج الدنيا الصامتة بأهازيج من الفرح الجميل وتعود الطيور الحزينة إلى الغناء من جديد، وتبدأ الأمواج بعزف سيمفونية التلاقح مع شواطئ البحار بعد طول غياب!».
حتى يصل بعد استرسال في وصف هذا الانسجام والتصالح مع الطبيعة المحبة للقول: 
«الرحلة قصيرة وشواهد القبور تزداد كل يوم، فعلينا أن نعلن انحيازنا للإنسان، إلى القلوب الصافية، إلى الهدوء السرمدي، والتعادل الذي لا يؤذي أحدا أن نعلن الحرب على الكآبة، وعلى الحزن، نفتح شبابيك قلوبنا للصفاء الجميل لغيبوبة تصفي الروح.
من يسمع ؟
من يدق الأبواب ؟
من يصرخ في القلوب الجامدة كالحجارة ؟»..
.
.
مقاله هذا عن كتاب..
ومنّا..إلى كائنات الحياة الصغيرة!