قدم وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي ما بدا دعما صريحا وغير مسبوق لحكومة الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في تصريحات مفادها أن الجيش لن يستجيب لدعوات المتذمرين من حكمه ولن ينقلب عليه منعا لدخول البلاد في فوضى عارمة تحرق الأخضر واليابس.
ووضعت تصريحات قائد الجيش المصري حدا لما أثير من “تفكير بالتمني” لدى قطاعات من المصريين حول تدخل القوات المسلحة منعا لسيطرة الإخوان المسلمين على جميع قطاعات الدولة أو ما يطلق عليه “أخونة الدولة”.
وقال السيسي، في كلمة ألقاها أثناء حضوره “تفتيش حرب” في الفرقة التاسعة مدرعات بالمنطقة المركزية، أن “الوقوف 10 أو 15 ساعة أمام صناديق الانتخابات أفضل من تدمير البلد”.
وأوضح أن القوات المسلحة لا تفكر في النزول إلى الشارع، داعيا القوى السياسية إلى التفاهم و”عدم اللعب مع الجيش لأنه ليس طرفا”، على حد قوله.
وقال السيسي:” لابد من وجود صيغة للتفاهم فيما بينكم، فهذا الجيش نار، لا تلعبوا به ولا تلعبوا معه”.
وحذر السيسي من أن “البديل في منتهى الخطورة ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش ينزل الشارع.. لو حدث ذلك لن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة للأمام”.
تساؤلات
وقال السيسي إنه اختار أن يتحدث هذه المرة في السياسة لأنه أراد التأكيد على “رسالة” وهي أن “الوظيفة التي أنا فيها في منتهى الخطورة ولا أستطيع مقابلة الله بدم المصريين، ولابد أن تعرفوا أن القرار ده منذ أبريل 2010، وهو قرار استراتيجي”.
وأثار هذا التاريخ تساؤلات كثيرة لأنه يوحي بأن القوات المسلحة كانت تعلم مسبقا، إن لم تكن وراء، ما سيحدث في مصر من ثورة 25 يناير 2011 وصعود الإخوان إلى سدة الحكم على الرغم من أن التيار الليبرالي المصري كان صاحب الدعوة إلى التظاهر في هذا اليوم، والتي رفض الإخوان تلبيتها في البداية.
وتولى السيسي وزارة الدفاع خلفا للمشير محمد حسين طنطاوي الذي عزله مرسي في أغسطس 2012. ولم يتعرض طنطاوي لأية محاكمة أو مساءلة قانونية في عهد مرسي، خلافا لأغلبية رموز حكم مبارك، على الرغم من أنه كان السند القوي لنظام الرئيس السابق لمدة 20 عاما منذ تعيينه وزيرا للدفاع عام 1991.
كذلك، وخلافا لما كانت عليه مطالب ثورة يناير، استبعدت ميزانية القوات المسلحة من الخضوع لرقابة الدولة.
جدير بالذكر أن المشير طنطاوي رأس المجلس العسكري الأعلى الذي تولى حكم مصر بعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 وحتى آداء مرسي اليمين أول يوليو 2012.
المجلس العسكري
وأثناء توليه قيادة البلاد اتخذ المجلس العسكري عدة قرارات استندت إلى آراء التيار الإسلامي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وكان منها الدعوة إلى استفتاء شعبي في مارس 2011 للتصويت على تعديل دستوري وضعته لجنة أغلبيتها من المنتمين للتيار الإسلامي أو من أنصاره، ثم الدعوة إلى انتخابات مجلسي الشعب والشورى.
هذا، وكانت القوى السياسية المدنية تدعو إلى تشكيل مجلس رئاسي يضم شخصيات متوافق عليها، يدير البلاد لفترة نحو عامين لمنح الفرصة للأحزاب المختلفة، التي لم يكن يسمح لها بعمل ميداني يذكر منذ ثورة يوليو 1952، بتكوين حياة سياسية قوية، وتتيح فرصة لأن يضع فقهاء القانون الدستوري دستورا جديدا للبلاد.
وتباينت ردود الأفعال حول تصريحات السيسي بين مؤيد ومعارض لها، أو محاول لمعرفة ما إذا كانت تحمل معان مبطنة أو رسائل مزدوجة.
وأعلن اللواء مدحت الحداد، المنسق العام لائتلاف “العسكريون المتقاعدون”، عن عقد الائتلاف اجتماعا مغلقا بين قياداته بمختلف المحافظات الأحد، لبحث ما ورد بتصريحات الفريق السيسي .
وأوضح الحداد أن “الائتلاف سيبحث الهدف من وراء تصريحات الفريق السيسي” و “ما إذا كانت تعبر عن تراجعه وموافقته على أخونة الدولة، أم أن تصريحاته لها هدف آخر”.
يذكر أن “العسكريون المتقاعدون”، يعتبر من أكبر الحركات السياسية التي دعت لتحرير توكيلات للجيش لعودته مرة أخرى لإدارة البلاد.
هذا فيما قال محمد بدران، رئيس اتحاد طلاب مصر، إن تصريحات السيسي “مثلت قلقًا كبيرًا من عدم متابعة القوات المسلحة لما يحدث في مصر من حكم جماعة الإخوان المسلمين”.
وتابع بدران إنه يرفض “محاولة “أخونة الدولة” أو أي طريقة تسعي لتغيير هوية الدولة المصرية”.
“كياسة”
وأكد عمرو هاشم ربيع، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أنه “من الكياسة” أن يعلن وزير الدفاع عدم نزول الجيش مرة أخرى للبلاد، مشيرا إلى أنه بتلك التصريحات “ينأى بنفسه وبالقوات المسلحة عن الدخول في أية صراعات سياسية”.
وأضاف هاشم أن “القوى المدنية المعارضة سبق أن طالبت برحيل الجيش عن إدارة البلاد وهاجمته، والآن تطالب بعودته مرة أخرى”.
وقال نبيل زكي ـ المتحدث الرسمي لحزب التجمع الاشتراكي، ـ إن تصريحات الفريق السيسي “تؤكد إحساسه بالمسئولية نحو الوطن وشعوره بما يحدث داخل الدولة من تمزق سياسي يهدد الأمن القومي.”.
ويقول الدكتور فوزي غزال، عضو الهيئة العليا لحزب العدل، إن كلام السيسي “يحمل تخوفا شديدا علي الدولة في حالة استمرار الأوضاع وإصرار القوي السياسية علي موقفها في معارضة السلطة في كل شيء”.
وأكد أن الخطاب يحمل معان أخرى منها أن القوات المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدي في حالة حدوث أي شيء يؤدي إلي انهيار الدولة.
أضف تعليق