سبر القوافي

من رحم “الذاكرة”.. تولد “الهوية”

كل الأوطان افتراضية مالم تتشكل على أرضها ذاكرة مواطنيها، ولست هنا لأحدد شروط المواطنة ولا لأطرح أزمة الهوية، بل لأسقط الضوء على مسؤولية المواطن “كائنًا من كان” اتجاه هويته. 
في تعريف شائع للذاكرة: هي القدرة التي يمتلكها الإنسان لاسترجاع المعلومات واستحضارها، وهذه القدرة هي مركز قوة، فمن أنت ومن أين جئت ؟ الفرد كما الجماعة “عديم” الهوية بلا ذاكرته، إذاً كل إنسان له هويته الخاصة التي شكلتها ذاكرته الفردية أو الجمعية مالم يفقد الذاكرة بعد!.
وفي اعتبار “أن الذاكرة ليست كيانًا ميتافيزيقيا مكتمل التكوين منذ البدء، وأنها سيرورة سيكلوجية تجد سندها المادي في الذاكرة وهي عملية تطويرية تنشأ تدريجيًا بفضل تفاعل الفرد مع الغير”.. كما تؤكّد ذلك كتب علم الفلسقة، لذا فمن الضروري تحديد ذاكرة المكان الذي نشأت على سطحه ذاك التفاعل وتشكّلت هوية الإنسان من خلال ذاكرته الفردية وليست الجمعية، وأقول فردية لأن لكل فرد زاويته الخاصة المميزة، حيث يتجلى إبداعه بها بلا وعي أو إرادة، ذاكرته وتلك الزاوية كلاهما جزء من الآخر، أمّا الذاكرة الجمعية ففي مفهوم موريس هالبواكس عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي “هي الذاكرة المشتركة لجماعة بشرية معينة مكونة للمجتمع”، هي ذاكرة بلا ملامح ولا تفاصيل تقوم على الإجمال والتعميم.
السؤال ماذا لو كانت الذاكرة الجمعية لفئة ما مشوّهة؟ ماذا لو أن ثقافة مجتمع كامل تسيء إليك وإلى هويتك؟ الجواب أنت بذاكرتك الفردية فقط تستطيع إعادة الماضي بالصورة الأصح وتثبت هويتك.
كلنا مسؤول لخلق ذاكرة جمعية صحيحة بالاستعانة بالذاكرة الفردية، والتجارب العالمية في تدوين الذاكرة الفردية سواء كانت أدبية أو فنية غالبيتها تكللت بالنجاح، لمّا تحمله من صدق في الصورة أو العبارة.
وكتطبيق عملي لترسيخ ذاكرة المكان انطلق منذ عام مشروع “مناطق محرومة”  للشاعر والمصوّر: “محمد السالم”، والذي يسعى إلى توثيق حالة حرمان، رحلة شقاء، رائحة صبر، ذاكرة مكان وهوية بشر في بعض المناطق التي عاش فيها فئة  “الكويتيين البدون”، وحسب نظرية أرسطو للذاكرة وبأنها الصور التي تدخل ذهن الإنسان عبر بوابات الحواس، نأمل بإدخال “صور” من ذاكرتك الفردية؛ من ذات الزاوية التى تتعرى فيها من كل مايشتت ويناقض ذاكرتك الأشبه بحلم جميل وصادق إلى الذاكرة الجمعية وبالتالي ذاكرة التاريخ، هويتك في ذاكرتك وذاكرتك تبدأ من عملك..!!
@alamal113