سبر القوافي

أفريقيا بحاجة إلى سميط آخر

العزاء والمواساة لعائلة الدكتور عبدالرحمن السميط ولأسرته وأصدقائه وأحبابه ولربع سكان العالم, الفقيد غالي جدًا والمصاب جلل. 
تباكينا على رحيلك يا أبا صهيب فمثلك شخص عظيم تحتاجه الإنسانية.
خدمت دينك وشرّفت أمتك ووطنك.
جعل الله ما أصابك من بلاء وصبرت عليه, رفعة في الدرجات ومحو للخطايا, رحمك الله رحمة واسعة.
من الذي رحل؟
رحل أحد أهم الدعاة طوال التاريخ الإسلامي.
رحل من جعل التحدي شعار حياته فذبل كل صعب أمامه.
رحل خادم فقراء أفريقيا ورجل بأمة والطبيب الذي طبّق الطب بما هو أفضل والإنسان فعلاً.
رحل مَن خُلِّد ذكره الطيب العطر على ألسنة ملايين من خلق رب العالمين.
رحل من نذر حياته لخدمة دينه والمحتاجين والفقراء والمساكين والضعفاء.
رحل وخلّف رحيله جراحات أمم وبكاء أوطان!
رحل من قام بإنجازات في أفريقيا تعجز عنها حكومات!
رحل من لا يعوِّضنا رحيله أحد ولا يُغيّب غيابه أحد.
رحل الذي نال جائزة الملك فيصل -رحمه الله- لخدمة الإسلام والمسلمين.
رحل بعد أن قام ببناء أكثر من 5000 مسجد ورعاية أكثر من 10000 يتيم وأنشئ أكثر من 100 مستشفى.
رحل الذي دفع رسوم أكثر من 50 ألف طالب مسلم وطباعة أكثر من 5 ملايين مصحف وتوزيعها على المسلمين الجدد.
الأرقام تتحدث عن ما قدمه والدنا الغالي, ولا داعي بأن أسرف في مدحه, لأنه الآن أحوج إلى الدعاء, وهو يستحق -نظير ما قدم- أطنان من المدح!
 لا يحب الحضور الكثيف بوسائل الإعلام أو القيام بتصوير نفسه أثناء أعماله الخيرية, ولا يحب الحديث عن شخصه.
 سألوه متى تلقي عصا الترحال؟
أجاب: سألقيها عندما تضمن لي الجنة.
الله أكبر ما أكبر همته وعزيمته!
 الجواب يختصر الكثير من التعليق.
ببساطته ونقاء قلبه وحب الخير للناس, ذاع صيته في أفريقيا, ولم يُخفي علينا أنه كان يعيش حياة الفقراء لأنه يحبهم, يتناول وجبتين في اليوم ولا ينام على السرير.
كان همه ليس نفسه بل أخوه المسلم, والدليل يذكر علاقته مع الأمراض -عافانا الله- أن الدواء متوفر في جيبه ولكن لا يتناوله, وإنما يعطيه الفقير!
كم من الحكمة مع هذا الشيخ, ناهيكم عن علمه وصفات نبيلة يمتلكها رحمة الله عليه.
يجد السعادة في بناء مسجد وحفر بئر ارتوازي ومد يد العون لمن يريد العون.
لا يجدها في المأكل والمشرب والسفر بقصد السياحة, وقد شاهدت عبر الانترنت محاضرة ومن سياقها تناول هذه النقطة المهمة, وكأنه يريد إيقاظنا ونحن فعلاً في غفلة!
أكثر ما يدفع أبا صهيب للبكاء هو عندما يجد إمام لا يقرأ في الصلاة سورة الفاتحة – في أفريقيا طبعًا- والسبب أن الدين الإسلامي لم يصلهم بالشكل المطلوب.
 قرأت العديد من المقالات عن الحاضر الغائب, ولعل أجمل ما قرأت مقال للدكتور نجيب الزامل تحت عنوان ” السميط الرجل الذي صنع شيئًا فوق المستحيل ” وبالمناسبة أدعوكم لقرائته في جريدة الاقتصادية.
من أمنياتي التي ماتت أن ألتقي بشكل شخصي, بوالدي عبدالرحمن السميط لأقبّل رأسه وأجلس معه نتحدث سويًا, ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
لم أكن أعرفه إلا عن طريق أمي أخبرتني عنه, قبل بضع سنوات, وأبهرني ما سمعته عنه, فتابعت له مقتطفات من لقاء تلفزيوني قديم حاليًا.
في يوم رحيله, رحل الدكتور غازي القصيبي, هؤلاء يعدون أركان تستحق الرثاء والبكاء والبقاء.
أفريقيا بحاجة إلى سميط آخر, وكلي متفائل بأن سيخرج عما قريب أحدهم أقوى نشاط من أبا صهيب, ولما لا وفي ديننا شباب أكفاء وفي أفئدتهم من الخير الكثير.
لنعقد العزم على بقاء أثره وهو باقي لا محالة, وأهله وأقاربه ومحبيه أعتقد بأنهم سيفعلون ذلك.
نبقي أثره في كل مكان.
في مواقع التواصل الاجتماعي ننشئ حساب شخصي له ينشر مقولاته وحكمه وحياته.
في المدارس الكويتية عليهم أن يضمونه كرائد وعَلم في الدعوة إلى الإسلام وبذل الخير والسلام.
في جانب التأليف لا بد من تأليف كتاب أو كتيب يحمل سيرته ونشأته وحياته بشكل عام, لأنها تستحق أن تُقرأ.
رحمك الله يا أبا صهيب, لمثلك القلب يحزن, وإنا على فراقك لمحزنون, وبإذن الله لقاؤنا في الفردوس الأعلى.