سبر القوافي

غير صالح.. لـ”الضمير”

عاد الكابوس مرة أخرى إلى رؤوسهم، يبدو أنه لن ينفّك عنهم إلى الأبد،  كل تفاصيله السينمائية وبكامل مؤثراته البصرية والسمعية.
الغرابة ليست في تكراره بقدر اشتراكهم جميعًا فيه، وبنفس الدموع وأحاسيس الألم وتأوهات أنه الرابط المشترك بينهم، جلس مرتعدًا يتصبب عرقًا وهو في فصل الشتاء: “أبي أنهم يصرخون وهم نائمون يرتدون الأعلام تفوح منهم رائحة الأوراق القديمة، ويستنجدون من كابوس أرّق حياتهم، يومئون بأيديهم للمتفرجين الذين يضحكون بشراهة، عدا بعض الصامتين.
بينما كان يتحدّث زادت حشرجة صوته وانكفأ على نفسه وهو يتمتم “أبي دخل حاملاً مذياعاً معه وصوت النشيد الوطني يعزف بلحن غريب، أقرب إلى الصراخ ويؤدي حركات تشبه راقص الباليه، الفرق أنه يؤديها بأرجله ويديّه وكان اللعاب يسيل من فمّه يشبه إلى حد ما لون الحبر، ما أن يسقط على أجسادهم حتى يتحوّل إلى دم كان عددهم مائة وثمانين ألفًا، مثلما سمعت أشكالهم مختلفة، ولكن الأعلام أعطتهم وحدة الشكل. 
لا أعلم من أي المخلوقات هو كأنه يتلذذ عندما يغرس أضافره في قلوبهم، وقد مزّق الكثير منها، وقد علت محياه علامات الارتباك والخوف بدت أثارها واضحةً عليه.
كلما أحس بالتعب، استجمع قواه وصوته المدوي وهو يصرخ بالأجساد “كلكم كاذبون خائنون، أنزعوا الأعلام فهي ليست لكم أنتم الفاسدون، وأنا الوحيد الصالح بينكم”.. ليتك كنت معي يا أبي لتراهم وهم يهتفون بحب الوطن ويرتلون النشيد بصوت ملائكي، وحدها النفوس الأبية تقدر على ذلك، لم ينل منهم الاستهزاء والتهميش. 
تمنيت لو كانت لي أرواحهم وأمانيهم، فقد شعرت بالعجز والحرمان بمفهومه الحقيقي حرمان التضحية، من أجل الوطن مثلهم.. لقد رأيتني يا أبي بعد سنوات وصوتٌ بداخلي يردد فاقد الشيء لا يعطيه، إنني مرتاب يا أبي روحي ملؤها الحقد لا تعرف الراحة، كم سأكون قاسيًا وعديم الأدمية، كم أتمنى لو كان الموت أقرب من لحظات سأعيشها على أجسادهم أتلذذ بعذاباتهم.
لقد شاهدتني يا أبي بعد سنوات من الآن كل شيء بدا طيف استشعره، إلا ولاءهم والمسخ المزمن الراقص على مصائرهم، أنا ذلك المسخ في الحلم المزعج، أنا هو “صالح” يا أبي.
alialenzi911@