سبر القوافي

“أوراد”.. الذاكرة الحمراء

في برهة من الزمن وعند الساعة الفاصلة من الموت الذي يسرح ويمرح في دنيا الأحلام كما الحقيقة أوهم كل العالم أنه يومٌ اعتيادي مثل باقي الأيام ستمر ذكراه محصورة على المجريات التي تسردُها من أحداث وأفعال مهما كانت أليمة إلا أنها أقل وقعاً مما سوف يحدث، أحداث تزيد حلاوتها باللسان الذي يختزل العالم بأسره بشفة البراءة ،على غير العادة  تعلو الإبتسامة محياك الجميل ويدب النشاط في عروقك لماذا أنت فرِحة ولما هذا الحماس في الذهاب إلى المدرسة وأنتِ دائمة التذمر ،لا أعلم يا أمي سوى أن العالم أجمل هذا اليوم والسجاد الأحمر في عيني هو بديل الممر المؤدي إلى القاعة الدراسية حتى تلك الشريطة البيضاء استبدليها بأُخرى حمراء وذالك الخف الذي أضعت فردته الأخرى أريدهُ الأن لا تقولي لي دعي البحث عنه إلى صباح الغد فسّاعات غيمٌ جميل التشكيل قد لا يتكرر وثواني تشبه طائر مغرد قد لانسمع تغريدة مرة أخرى. أمي إسكبي لي الحليب دون اضافة السكر المعتادون على المذاق الواحد تطاردهم لعنة الجمود جمال الكون في الحياة والممات في الصباح والمساء في غضبك وحلم أبي إنها الدنيا يا أمي الحبيبة موجٌ وسكون في بحرها الغريب.
كلامك مثير للريبة ولشك تنطقين بلسان التجربة الطويلة على عكس عمرك من قذف في روعك أسرار السديم والبقاء يا طفلتي الشقية، أنسيتي كلامك لي عن النجاح والمثابرة وأن الحياة كرّاس وصحائف حبرها الأخلاق وأوراقها العلم لكن يا أمي لم تخبريني هل الموتى يشترون كرّاس بحجم أعمارهم أم ذويهم يقتطعون الجزء الفارغ منه ، حافظي على سطوري من فوضى النسيان.
يا أجمل مكتبة أودعتها نفسي على رف قلبك الزهري. لا تنسي تلك المزهرية على حافة الشباك كل ما فيها يحوي اسمي وأظن أنه لا مكان لشئ غيري شمّي عبقي ورحيق الأيام وشقاوة طفولتي كلما حان موعد الذكرى ، خيم السكوت على المشهد لثوانى وعلا مزمار الحافلة فعاد الإنتباه مرة أخرى قومي ودعي عنك كل تلك الخزعبلات وإذا عدتي سأحرمك من القصص التي أثرت على خيالك وتفكيرك ، لا يا أمي أعدك أني لن أقرأ  لكن أقرأيني أنا ديوانك المفضل أمي انظري إلى السماء الأوراد المهاجرة خرجت معي تشاطرني لحظة وداعي لك لكن أين سأفترق معها وأودعها ..؟تذكريها جيداً ولا تنسيها قبلة على رأس الأم وتشابكت النظرات كخيوط العنكبوت حتى صعود الحافلة ،مازال قلب الأم معلق منذ ركوبها الحافلة لإول مره تتحدث بهذا الإسلوب العميق وهذا النفس الغريب لا إنها الظنون والخيالات الشريرة ولا شئ سواها بينما أغمضت عيناها على وقع الأفكار العابرة رن هاتف المنزل من المتكلم تحدث الحشرجة التي أضاعت الحروف في فم المتصل أين ..! لا يمكن أن يحدث ذالك لم يمضي على خروجها سوى بضع دقائق أنا قادمة إنتظرني، بخطى متثاقلة بحجم الدمع وبمساحة الأه المتسلطة على الجوارح تجر أذيال الحزن وصلت إلى مكان الحادث ورأت انقلاب الحافلة بين زحام الجرحى من الأطفال يد خرجت من نافذة وقد أومأت إلى السماء (أمي ها هي  أوراد الذاكرة الحمراء).