عربي وعالمي

اسبانيا تخفق في صياغة حكومة جديدة..فهل تتجه نحو انتخابات ثالثة؟

مضى أكثر من 40 يوما على الانتخابات البرلمانية العامة الثانية في إسبانيا دون ان تتراءى في الأفق أي صيغة محتملة لتشكيل حكومة جديدة ليتزايد احباط الشعب الاسباني وتتصاعد التوقعات بالاتجاه نحو انتخابات ثالثة.
ورغم اتفاق جميع الأحزاب السياسية علنا على الأقل بان اجراء انتخابات ثالثة سيكون له نتائج كارثية على اسبانيا ودعوتهم الى تجنب ذلك بكل الطرق الممكنة فإن غياب بوادر أي اتفاق يهدد بالفعل بالسقوط الحر نحو انتخابات جديدة قد تجرى في شهر ديسمبر المقبل وتكون الثالثة في أقل من عام.
ويقع ثقل التوصل إلى اتفاقات والتفاوض مع الممثلين السياسيين على عاتق رئيس الوزراء المنتهية ولايته زعيم الحزب الشعبي المحافظ ماريانو راخوي الذي وافق على تكليف ملك إسبانيا فيليبي السادس له بمحاولة تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات ال26 من شهر يونيو الماضي رغم عدم تمتعه بالدعم البرلماني الكافي.
وتجد اسبانيا نفسها اليوم بعد سبعة أشهر من الانتخابات العامة الأولى في ديسمبر الماضي بحاجة ماسة لحكومة جديدة مستقرة قادرة على الاستجابة للظروف الراهنة والمصادقة على موازنة العام المقبل وتحديد سقف الانفاق العام والتعامل مع المطالبات الانفصالية في اقليم (كتالونيا) الماضي قدما في تدابير انفصاله عن البلاد.
إلى جانب ذلك فإنه سيتعين على الحكومة الاسبانية الجديدة اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية لاسيما ان حلف شمال الأطلسي (ناتو) طالب اسبانيا بتعزيز جهودها وحضورها في التحالف الدولي ضد ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في سوريا والعراق.
وضمن ذلك الاطار عقد راخوي الذي فاز بالانتخابات الاخيرة بحصول حزبه على 137 مقعدا في مجلس النواب الاسباني اجتماعين خلال الأسبوع الماضي الأول مع زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز وهو الذي فاز حزبه ب85 مقعدا في المجلس والثاني مع زعيم حزب (ثيودادانوس) ألبرت ريفيرا الذي حصل حزبه على 32 مقعدا.
وكما كان متوقعا أخفق المحافظ راخوي في تليين مواقف نظيريه حيث جدد الاشتراكي سانشيز عقب الاجتماع رفضه المطلق دعم راخوي مؤكدا ان نواب حزبه سيصوتون ب(لا) في جلستي التصويت كما أكد ريفيرا من جديد ان حزبه سيصوت ب(لا) في الجلسة الأولى ويمتنع عن التصويت في الثانية لتسهيل مهمة راخوي.
وجاء ذلك في حقيقة الأمر ثمرة امتناع راخوي عن تقديم اي تنازلات في المفاوضات أو أي عروض تتوافق مع البرامج الانتخابية للحزبين الآخرين او حتى التراجع الجزئي عن إصلاحات هيكلية مثيرة للجدل اتخذتها حكومته خلال السنوات الماضية مستغلة أفضليتها الساحقة في البرلمان.
وبالنسبة للاشتراكي سانشيز فان تسهيل عملية تنصيب راخوي لولاية جديدة هو بمثابة انتحار سياسي وتوثيق اخفاقه على الصعيد الشخصي في قيادة الحزب وتحقيق نتائج ايجابية وتنحيه كذلك عن زعامة المعارضة لصالح زعيم حزب (بوديموس) اليساري بابلو اجليسياس.
ويتسبب موقف سانشيز في احداث شرخ في صميم الحزب الاشتراكي لاسيما ان عددا كبيرا من قادات الحزب المخضرمين ونسبة عالية من الناخبين الاشتراكيين يؤيدون تسهيل عملية تنصيب راخوي مقابل بعض التنازل بهدف تجنب اجراء انتخابات ثالثة ولكن وبكل الأحوال فإن راخوي لم يطرح بعد أي مشروع يستميلهم به.
أما حزب (ثيودادنوس) الذي يعد (ماركة بيضاء) للحزب الشعبي المحافظ فهو يعترض أساسا على شخص راخوي لاعتباره انه يرتبط بشكل مباشر ببعض قضايا الفساد السياسي ويطالب بترشيح آخر مكانه رغم انه من غير المستبعد ان يؤيد راخوي عندما تحين ساعة الحقيقة تحت شعار تحقيق الصالح العام.
وفي خضم ذلك زال حزب (بوديموس) اليساري الذي يحظى ب71 نائبا بمجلس النواب يطالب سانشيز بالبحث عن إمكانية تشكيل حكومة يسار بديلة غير ان الاشتراكيين يستبعدون بشكل شبه كامل التحالف مع الشعوبيين والانفصاليين.
جدير بالذكر ان راخوي او أي مرشح آخر يحتاج للأغلبية المطلقة عند 176 صوتا في جلسة التنصيب الأولى والأغلبية البسيطة أي بعدد أكبر من (نعم) مقارنة ب(لا) في جلسة التصويت الثانية التي تقام بعد 48 ساعة من الأولى.
وريثما يتبادل الزعماء السياسيون أصابع الاتهام بعرقلة إنجاح عملية تشكيل حكومة اسبانية فإن 83 بالمئة من الشعب الاسباني يرون الوضع السياسي في إسبانيا سيئا وفق استطلاع أجرته مؤسسة (ميتروسكوبيا) التي نشرتها صحيفة (الباييس) الاسبانية واسعة الانتشار الأسبوع الماضي.
ويشير الاستطلاع إلى ان 63 بالمئة من ناخبي الحزب الاشتراكي المشاركين في الاستطلاع يؤيدون مسألة امتناع الحزب عن التصويت لتسهيل تنصيب راخوي مقابل سلسلة من الإصلاحات المتفق عليها وذلك انطلاقا من ان ذلك يعد الحل الوحيد لفك حالة الجمود السياسي.
وكذلك يؤيد ثلث ناخبي الحزب الشعبي المحافظ تنحي راخوي جانبا ان كان ذلك يمثل الطريق الوحيد لتجنب الانتخابات الثالثة.
وللاستدلال على حالة الإحباط التي تسود المجتمع الاسباني الذي سئم الجدل السياسي وتواصل الحملات الانتخابية فقد اظهر استطلاع اجراه المعهد الوطني للاحصاء ونشرت نتائجه اليوم الاثنين ان 40 بالمئة من الناخبين في اسبانيا لن يدلوا بأصواتهم في انتخابات ثالثة مفترضة.
من البديهي في ضوء تلك المعطيات وفق قوانين اللعبة السياسية بضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتحاور بشكل جدي مع التفكير بمشروع واحد هو كسر حالة الانسداد السياسي وتلبية مصالح المشروع الاسباني الموحد بمنأى عن المصالح الفردية لتجنب الانتخابات الثالثة.
ولا بد لزعيم المحافظين راخوي في نهاية المطاف ان كان يود النجاح في تنصيبه لولاية ثانية من إدراك ان تلك العملية ليست مجانية والبدء بتقديم تنازلات وطرح مشاريع تتواءم مع تطلعات الأحزاب الأخرى للتوصل إلى حل متفاوض لتشكيل حكومة وإن لم تدم فترة طويلة.