عربي وعالمي

بعد القضاء على الإسلاميين وشباب الثورة.. نظام السيسي يحارب المعارضة المدنية؟

  • النظام يُشهر سيف “الجنسية” أمام رموز التيار المدني الخارجين عن السيطرة
  • البرادعي وصباحي وحمزة وساويرس وعيسى وعيد.. و”التصفية” مستمرة!
  • اتهامات الخيانة والتحفظ على الأموال وإغلاق المنشآت الخدمية والمنع من السفر.. أدوات النظام في “إرهاب” المعارضة

 

استطاع نظام ما بعد 30 يونيو، التخلص سريعًا من الإسلام السياسي في الدولة، من خلال عدة محاور؛ أولها تجفيف المصادر المالية والمتمثلة في المراكز الخيرية والمدارس والمستشفيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة، وتيار الإسلام السياسي بصفة عامة، بالإضافة إلى القبض على عددٍ كبيرٍ من أبناء الفصيل الإسلامي والذي يصل عدد المحتجزين منه بحسب منظمات حقوقية إلى ما يزيد على 50 ألف مواطن.

وساند التيار المدني نظام ما بعد 30 يونيو في إزاحة حكم الإسلاميين فكانوا أول الداعين للتظاهر في الشوارع، بالإضافة إلى تكوين عدة جبهات ضد نظام الجماعة الذي لم يستمر طويلاً، ولكن لم يستمر شهر العسل طويلاً بين التيار المدني والنظام الجديد؛ فسرعان ما تبدّلت الأحوال وأصبحت الملاحقات القضائية والمنع من السفر  وإلقاء التهم على الرموز المدنية هي أبرز الأسلحة المشهرة ضد أصحاب هذا التيار.

وتمثل اضطهاد الدولة للتيار المدني في مصادرة أموال بعض القيادات بالإضافة إلى غلق المكتبات ومنع الحقوقيين والمعارضين من السفر ومحاولة تكميم آراء البعض منهم إعلاميًا، ووصل الأمر ذروته بمطالبات سحب الجنسية من قيادات كبيرة على رأسها الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق.

وفي إطار ذلك، ترصد “المصريون” ملامح خطة الدولة للقضاء على رموز التيار المدني بعد الانتهاء من تيار الإسلام السياسي.

البرادعي

رغم تأييده لعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وظهوره كشريك أساسي في نظام 3 يوليو، إلا أن رفضَه لفض اعتصامي رابعة والنهضة وتقديم استقالته بعده وضعه في خصومة شديدة مع النظام الحالي، وصلت إلى الحد الذي يناقش فيه مجلس النواب قريبًا قرارًا بسحب الجنسية منه، وذلك بعد ظهوره إعلاميًا خلال المرحلة الماضية.

وقال البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، إن مجلس النواب سيناقش إسقاط الجنسية عن محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، وكان بكري قد تقدَّم بطلب إحاطة في مجلس النواب، طلب فيه إسقاط الجنسية عن البرادعي، وسحب قلادة النيل التي حصل عليها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لفوزه بجائزة نوبل للسلام عام 2005، أثناء عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمدير لها.

واتهم بكري، البرادعي بالخيانة العظمى، والتآمر على مصر من خلال التعاون مع جهات أجنبية.

صباحي

أما صباحي الذي لم يتأخر كذلك عن مواجهة “أسلمة الدولة” في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي والذي كان من أبرز مؤسسي جبهة الإنقاذ وكذلك من أشد المؤيدين لعزله، فيواجه الآن اتهامات عديدة آخرها “التخابر” مع إيران!

وينظر النائب العام الآن بلاغًا يتهم كلاً من حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، بالتخابر مع حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، بما يهدد الأمن القومي المصري.

وكان بلاغٌ للنائب العام، قد طالب بوضع حمدين صباحى وعبدالمنعم أبو الفتوح على قوائم الترقب والوصول بالمطارات والموانئ المصرية، والقبض عليهما خلال عودتهما من لبنان إلى البلاد.

وذكر البلاغ أن حزب الله اللبناني عقد مؤتمرًا تحت عنوان “دعم المقاومة ورفض تصنيفها بالإرهاب”، دعا إليه شخصيات من ضمنها حمدين صباحى وعبدالمنعم أبو الفتوح، ورغم صدور حكم قضائي يدين الحزب بارتكاب جرائم إرهابية ضد الأمن القومي المصري، إلا أنهما شاركا في المؤتمر، مما يعد إضرارًا بالأمن القومي، وفقًا لمقدم البلاغ.

ساويرس

وبعيدًا عن التضييقات التي يواجهها ساويرس من النظام الحالي والتي انتهت به إلى بيع كثير من شركاته واستثماراته وأبرزها قناة “أون تي في” التي عُرفت بعدم موالاتها للنظام الحالي والدفاع المستمر عن حقوق الإنسان وتسليط الضوء على انتهاكات النظام ضد مدنية الدولة، يواجه ساويرس الآن أزمةً جديدةً لم تتضح بعد أبعادها وجذورها في حزب المصريين الأحرار؛ حيث حدث انقلابٌ ضده وهو مؤسس الحزب ومموله بعد التصويت على حل مجلس الأمناء الذي يشارك في عضويته من قبل أعضاء المؤتمر العام في اجتماع طارئ، لتنقطع صلته بالحزب نهائيًا.

ويضم مجلس الأمناء المنحل، الدكتور صلاح فضل، رئيس المجلس وعضوية المهندس نجيب ساويرس، والأستاذ راجي سليمان، بعد استقالة الكاتبة سكينة فؤاد، والدكتور أسامة الغزالي حرب.

حمزة

يعتبر كثير من المشاركين في ثورة 25 يناير أن المهندس الاستشاري الدكتور ممدوح حمزة، هو الراعي الرسمي لها، كما كان الحال خلال عهد الرئيس المعزول؛ فقد كان من أشد المعارضين له ولسياسات جماعة الإخوان المسلمين المنتمي إليها، إلا أنه وبعد فترة قصيرة من تولي الرئيس السيسي وإبدائه ملاحظات على أدائه وسياساته بدأت مرحلة التشويه والتضييق عليه، فإلى جانب التضييق عليه في مجال عمله الهندسي يتم إطلاق إشاعات تسعى لتشويه صورته بشكل مستمر كان آخرها خبرًا نفاه حمزة عن وجود سلاح غير مرخص بمنزله، كما يتم إلغاء ندوات خاصة به بعد التجهيز والإعداد لها؛ بسبب أوامر من جهات مجهولة.

عيد

لم تتوقف الخصومة بين النظام الحالي وبين كثيرٍ من رموز التيار المدني والليبرالي عند الإحالة للمحاكمة والمنع من السفر والتحفظ على الأموال، كما هو الحال مع الحقوقي البارز جمال عيد، فقد أغلقت الدولة ثلاث مكتبات تابعة لسلسلة “الكرامة” التي أسسها بقيمة ما حصل عليه من جائزة دولية لدوره في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، والتي توفر فرصة لأطفال العشوائيات للمذاكرة والرسم والقراءة.

وقال عيد، عقب غلق مكتبة الكرامة، إن الواقعة بدأت بإغلاق المكتبة بمنطقتي طره ودار السلام دون أسباب. وأضاف عيد، أن “كل مكتبة فيها كتب وأثاث وأجهزة بأكثر من 100 ألف جنيه، ولا أعرف إلى أين أذهب فليس هناك محاضر أو أية أوراق لإغلاقها”.

وتابع: “كل اللي أعرفه إن حوالي 40 ألف مستفيد هذا العام فقط (2016) خسروا أكتر مني، سواء أطفال أو شباب وشابات أو ربات بيوت بيستعيروا كتب وروايات وطلبة كانوا بيلاقوا مكان يذاكروا فيه”. وتوجهت قوة تابعة لمحافظة القاهرة، حيث يقع مكان المكتبات، لغلق وتشميع مكتبات الكرامة بأحياء دار السلام وطره، في الوقت الذي أكد فيه عيد أن كل أنشطة المكتبة عبارة عن كتب ورسم وتلوين وفقط.

عيسى

أما إبراهيم عيسى، الذي تعرَّض لاتهامات بتخليه عن حلم المدنية من قِبل قرائه ومتابعيه بعد ظهوره مؤيدًا للنظام الحالي ومدافعًا عنه في كثيرٍ من المواقف والقرارات، فلم يسلم من الإقصاء والوضع على قوائم المحظورين لدى النظام بعد مهاجمته له مؤخرًا، فقد أوقفت فضائية “القاهرة والناس” برنامجه مع بداية العام الجديد، وقال عيسى إنه توقف عن تقديم برنامجه التليفزيوني، مشيرًا إلى أن ضغوطًا كانت وراء ذلك.

وقال في بيانٍ له إن تأثير البرنامج “ألقى عليه أعباء وتعرض معه لأنواء وأحيط بالضغوط، ففي الوقت الذي ساهم فيه (البرنامج) في اتساع عقول تسبب كذلك في ضيق صدور”.

وأضاف مستبعدًا العودة للتقديم التليفزيوني قريبًا: “أتقبل أن تكون هذه اللحظة مناسبة للتوقف عن تقديم البرنامج… أترك مساحة التعبير التليفزيوني لمرحلة أخرى ووقت لعله يأتي”.

وقالت القناة في بيانٍ إن عيسى وهو صحفي بارز عبّر عن رغبته “في عدم الاستمرار في تقديم برنامجه التليفزيوني على شاشتها اعتبارًا من مطلع يناير   2017”.

ممنوعون من السفر

في السياق ذاته، منعت السلطات الأمنية عددًا من رموز التيار المدني من السفر للخارج، كان أبرزهم إسراء عبدالفتاح وأسماء محفوظ؛ حيث أيدت محكمة جنايات القاهرة، في ديسمبر عام 2015، قرار النائب العام في منع الناشطتين السياسيتين أسماء محفوظ، وإسراء عبدالفتاح في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”تمويل منظمات المجتمع المدني”، من السفر.

في الأول من أغسطس من 2016، قال رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، إنه تم منعه من السفر، أثناء توجهه في رحلة عمل باليونان، وأعلمته سلطات المطار بأن هناك قرارًا قضائيًا صدر مسبقًا منذ أيام قليلة قبل سفره بمنعه من السفر.

كما قررت نيابة أمن الدولة العليا، في 28 مارس 2016  منع المستشار هشام جنينة من السفر، وذلك عقب عزله من منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.

وفي يونيو 2016، منعت إدارة جوازات السفر، مزن حسن، الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان، أثناء سفرها لبيروت للمشاركة باجتماع اللجنة التنفيذية للدفاع عن حقوق الإنسان، وجاء ذلك على خلفية قضية “التمويل الأجنبي للمنظمات” التي تم فتحها لإعادة التحقيق فيها.

وفي فبراير 2016، تم منع رئيس مجلس إدارة المعهد الديمقراطي حسام الدين علي  أثناء سفره للولايات المتحدة؛ بسبب قضية التمويل الأجنبي، وطبيعة عمله بالمؤسسة، بالإضافة إلى أنه تم منعه منذ 16 شهرًا بقرار من النائب العام، على خلفية القضية ذاتها. تأميم العمل المدني وفي الإطار نفسه، وافق مجلس النواب على قانون الجمعيات الأهلية، والذي قدمه النائب عبدالهادي القصبي، ويتضمن القانون عقوبات تُقيّد حرية عمل هذه المنظمات وتفرض غرامات تصل إلى مليون جنيه حال مخالفة بعض نصوصه، المتعلقة بتلقي تمويل من دون موافقة الحكومة، سواء كان التمويل أجنبيًا أو محليًا، إذ يحظر على أي جمعية أو هيئة الحصول على تمويل يتجاوز 10 آلاف جنيه من دون الحصول على موافقة مسبقة، وإذا لم تُمنح هذه الموافقة خلال 60 يوماً من تقديم الطلب يعتبر مرفوضاً، كما ينص القانون على تشكيل جهاز قومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ويحظر على أي جهة أو مؤسسة ممارسة العمل الأهلي دون الالتزام ببنوده.

ويمنح القانون فرصة للمؤسسات لمدة عام لتوفيق أوضاعها مع بنود القانون الجديد، وإلا يتم حلها وتحويل أموالها إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية المنصوص عليه في القانون، كما يعطي القانون الحكومة وحدها سلطة تقرير مَن يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها، ويُلزم الجمعيات بالعمل وفقاً لخطط الدولة للتنمية واحتياجاتها، ويوجب على الجمعيات الحصول على إذن من رئيس مجلس الوزراء والمحافظ المتخصصة بتنفيذ أي من أعمالها قبل البدء في التنفيذ.

ويحظر العمل فى مجال (أو ممارسة نشاط يدخل فى نطاق عمل) الأحزاب أو النقابات المهنية أو العمالية أو «ذي طابع سياسي» أو «يضر بالأمن القومى للبلاد أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة»، كما يحظر علي الجمعيات إجراءات استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل عرضها على السلطة المختصة للتأكد من سلامتها وحيادها، كذلك يحظر القانون على الجمعيات تغيير عنوان مقارها أو فتح مقار ومكاتب تابعة لها في أي من محافظات الجمهورية من دون موافقة كتابية من وزارة التضامن.

وتعتبر مخالفة هذا البند جنحة من الممكن أن تعرض رئيس المنظمة للسجن لمدة عام، هذا بالإضافة إلى إخضاع قانون المنظمات المحلية والمؤسسات الأهلية والمسئولين عنها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وإلزامهم بتقديم إقرار للذمة المالية كالمسئولين الحكوميين.

دولة الصوت الواحد

من جانبهم، أكد المحللون أن الدولة تتفرغ حاليًا لمحاربة التيار المدني؛ وذلك بسبب موقفه الواضح والشديد حول مدنية الدولة وحلمه الذي يتبنى على أساس نظم ديمقراطية للحكم.

ويقول الدكتور خالد متولي، عضو حزب الدستور، إنه في الأنظمة غير الديمقراطية تخاف الحكومة من أي صوت معارض، فدائمًا تلقى عليه ببعض التهم كالتخوين والعمالة وغيرهما من التهم التي تعوّد عليها المعارضون من يناير 2011 وحتى الآن.

وأضاف متولي أن الدولة تحشد مجموعة من الموظفين لديها لإقامة دعاوى قضائية ضد أي صوت معارض وهذا ما حدث مع عدد كبير من التيار المدني آخرهم المطالبة بسحب الجنسية من الدكتور محمد البرادعي؛ بسبب توضيح بعض الحقائق خلال فترة توليه منصبه 2013.

وأشار عضو حزب الدستور إلى أن التيار المدني حلمه الأساسي هو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهو ما لا يقدمه نظام الحكم الحالي؛ فمن الطبيعي أن تكون هناك معارضة شديدة، ولكن لأن النظام لا يريد أن يستمع إلى معارضيه فكانت النتيجة هي إلقاء التهم غير الحقيقية على التيار بصفة خاصة والمعارضين بصفة عامة.

بدوره رفض الحقوقي البارز جمال عيد القول بأن النظام يستهدف فصيلاً دون فصيل، مشيرًا إلى أنه لا فرق بين التيارات المعارضة سواء كانت مدنية أو إسلامية.

وتابع في تصريحات لـ”المصريون”، أن النظام الحاكم في مصر نظام عسكري، يقمع جميع الأصوات المعارضة؛ حيث إنه لا يود سماع الأصوات المخالفة أو مناقشتها، مضيفًا أن السلطة الحاكمة تريد التأييد المطلق والإذعان لما تأمر به، قائلًا: “هي عاوزة الجميع زي أحمد موسى”.

وشدد عيد على أن نظام الحكم في مصر يقود الدولة نحو المجهول، مؤكدًا أن سياسة الإقصاء التي ينتهجها، وتمجيد سلطة الفرد والسير إلى ما لا نهاية في هذا الطريق سيفضي في النهاية إلى التراجع والتدهور في جميع القطاعات.

وفي السياق ذاته، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ الدراسات السياسية بجامعة القاهرة، إن ممارسات النظام في مصر تخطت فكرة تصنيف المعارضة، والقبول بتيار منها دون تيار، إلى استهداف الجميع واستباحة كل ممنوع في سبيل قمعه وتطويعه لموافقة سياساتها.

ولفت نافعة في تصريحاته لـ”المصريون”، إلى أن الدولة تضيق بأي صوت معارض، بغض النظر عن كونه محسوبًا على التيار الإسلامي أو غير الإسلامي، موضحًا أنها ترفض أي شخص أو جهة تحمل وجهة نظر مخالفة.

وأضاف أن الذي يحكم مصر الآن نظام فردي مطلق، لا يعترف بحقوق المعارضة، وغير قادر على التعاطي معها بأي شكل من الأشكال، ما يوضح بجلاء حجم الانتكاسة التي تعيشها البلاد على مستوى الحريات.