أقلامهم

أكبر من مجرد قيادة سيارة

عندما تُقَر الحقوق لمستحقيها، لا تُقاس المسائل بالنتائج، لكن بمدى احترام تلك الحقوق، وإنهاء التمييز الناتج عنها.

حظي قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية باهتمام محلي ودولي كبيرين، ليس لأنه أهم قضايا التمييز التي تواجهها المرأة، لكن لأنه أكثرها رمزية، فالحظر لم يكن ممكناً الدفاع عنه، وهي حالة مشابهة لمنع المرأة من ممارسة حقوقها السياسية في الكويت، حتى إقرارها في 2015. أما قبل ذلك، فقد تم إلهاء وإشغال المجتمع بكمٍّ هائل من الآراء والفتاوى التي تبرر وتنظر للمنع، حتى وصلت درجة الاستخفاف بالحقوق إلى القول بتجزئة حق المرأة السياسي إلى تصويت وترشيح، هكذا. فما إن تَعدل القانون، حتى تحوَّلت تلك الفئات المعارضة إلى موافقة بالكامل، بل تحوَّلوا إلى مستفيدين، دون تردد، وشكَّلوا اللجان، للاستفادة من صوت المرأة. حتى ذلك النائب الذي قال إن القانون لن يمر إلا على جثته رحَّب بالتغيير، واستفاد منه انتخابياً، ولم تُصب جثته بأي سوء.

بالطبع، ككل الأشياء، فإن قراراً كهذا ستكون له آثار سلبية، وأخرى إيجابية، إلا أن الأهم من ذلك، هو أن حقاً كان محجوباً، ويتضمن تمييزاً صارخاً ضد فئة اجتماعية، هي المرأة، تم تثبيته وإعادته إلى منطق الأشياء.

الموضوع كبير، لأن بقاءه كان غير منطقي، ويستحق الملك سلمان بن عبدالعزيز الإشادة، لأنه سمح بما هو منطقي، وأنهى ما كان غير منطقي. ربما كان شبيهاً له قرار سابق للملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، عندما أصدر قراراً لا يقل جدلية، بإنشاء جامعة مختلطة داخل المملكة، وتم إنشاؤها، وهي تعمل دون مشاكل تذكر. أما نحن في الكويت، فما زلنا نرفض التعليم المشترك في الجامعة فقط لأسباب سياسية بحتة، لا علاقة لها بقيم اجتماعية ولا اعتبارات دينية.

التغيير بطبيعته ليس سهلاً، وبالذات في المجتمعات التي ترى نفسها نقية مصونة؛ أخلاقياً ودينياً، ويتداخل فيها الديني بالسياسي، لتصبح مجتمعات راكدة، الحركة فيها رتيبة، تفرح بالجمود والانغلاق، وتعتبرهما فضيلة وعكسهما رذيلة، وترى أي تحرُّك نحو التغيير مؤامرة يشنها أعداء الأمة، بينما الأمة عدوة نفسها، دون أن تشعر، أو ربما تشعر ولكن لا تهتم.

التغيير له خصومه التقليديون، الذين ينقسمون إلى رافض للتغيير، لخوفه منه، أو خشيته الغامض القادم، أو لأنه مستفيد من الوضع القائم، فيدافع عنه، لأن التغيير قد يقلل من وضعه في المعادلة الاجتماعية والسياسية، أو لأنه يرى ما تراه السلطة السياسية، فأينما تتجه يتجه. لذا، حالما يصدر القرار السياسي الذي يواجه بشجاعة جميع الاعتبارات تجد تلك المعسكرات قد ارتبكت، بل نجد بعضها وقد تحوَّل من معارض شرس إلى مؤيد أكثر شراسة، وتظل فئة رافضة للتغيير تصور الويل والثبور وعظائم الأمور القادمة بسبب القرار، فيسعون إلى إفشاله عن طريق بث الشائعات وتضخيم الأحداث الصغيرة. ذات الجدل الذي جرى بعد إقرار حقوق المرأة السياسية، ثم استقامت الأمور، وأصبحت اعتيادية، فلا سماء سقطت، ولا أرض انبلجت، بل ممارسة سياسية عادية، وربما دون المؤمل.

بقي أمر أخير ربما يتم تجاهله يخص الناشطات اللواتي وقفن، دون مواربة، دفاعاً عن حقهن في القيادة، بدعم من أهاليهن، وتعرَّضن لحملات موغلة في القسوة والقذف والسب والجرجرة في المحابس والمساءلات القانونية والتشهير، فنقول لهن اتضح إنكن كنتن على حق، فلكن الشكر والتقدير، لمثابرتكن واستمراركن.

بالطبع، حصول المرأة على حقها في التنقل وقيادة السيارة مثال ليس نهاية الطريق، فهناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى حلٍّ، كما أنه لن يحيل الحياة إلى أحسن حال بالضرورة، لكنه يستحق الاحتفاء به على أنه حق حصلت عليه صاحباته، أما ما سيفعلن به، فهذا شأنهن.