أقلامهم

أحمد الديين يرى أن الأزمة السياسية الراهنة عميقة ولا ينفع معها تغيير الرئيس أو حل مجلس الأمة

أعمق من استقالة وعدم تضامن!  
 
أحمد الديين
في ظني أنّ استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد الفهد بغض النظر عن ظروفها وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، وكذلك افتضاح غياب أبسط درجات التضامن الحكومي أيًّا كانت ملابساته؛ وغير ذلك من صور احتدام التنافس المحموم بين بعض الأطراف السلطوية داخل مجلس الوزراء وخارجه، ليست سوى مظاهر كاشفة للأزمة السياسية في البلاد، التي تعود إلى أسباب أعمق وأبعد.
فالأزمة السياسية هي أزمة النهج السلطوي بأكمله، وهي ليست أزمة هذا الطرف أو الشخص أو ذاك؛  ولا هي أزمة هذه التشكيلة الحكومية أو تلك من التشكيلات الحكومية المتعاقبة أو أزمة علاقتها المتوترة مع “نواب المعارضة”… وإنما يكمن أساس هذه الأزمة في أنّ هذا النهج السلطوي بعقليته السائدة وأساليبه المعتادة وخياراته المحدودة لم يعد قادرا على مواكبة متطلبات التطور الديمقراطي حتى في حدودها الدنيا المرسومة في دستور 1962، إن لم يكن هذا النهج قد تحوّل إلى عائق أمام تحقيق مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، الذي يتطلب إعادة الاعتبار مجددا إلى ذلك التوافق التاريخي الذي كان قائما بين “مشروع الحكم” و”مشروع بناء الدولة الحديثة” في النصف الأول من الستينيات بعد نيل الكويت استقلالها، قبل أن يتراجع ذلك التوافق ويتراجع معه مشروع بناء الدولة الحديثة وقبل أن ينتكسا جراء تكريس نهج الانفراد بالقرار والسلطة؛ ونتيجة إفراغ “دستور الحدّ الأدنى” من مضامينه الديمقراطية؛ بالإضافة إلى تكرار محاولات الانقلاب السلطوي على الدستور والعبث المستمر في النظام الدستوري والتخريب المتعمّد بمؤسساته والتلاعب المتواصل في آلياته وإفساد عناصره وتشويه ممارساته.
 والمفارقة أنّ أنصار النهج السلطوي المبتهجين بنجاحهم الباهر الذي حققوه في تعطيل مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة يفترضون أنّ الأمر قد استقر نهائيا في حدود ما أرادوا أن تكون عليه الحال القائمة وما ثبّتوه من أوضاع مختلة، ولكنهم لا يدركون أنهم بذلك إنما جروا الكويت وأوقعوا أنفسهم في مأزق تاريخي… فهناك تغييرات متلاحقة شهدها ويشهدها المجتمع الكويتي ستدفع بالضرورة نحو العودة المستحقة مجددا إلى مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة خصوصا في ظل تنامي حالة الحراك الشعبي، وذلك بغض النظر عن قصورها ونقاط ضعفها وما يمكن أن يثار حولها من ملاحظات، بالإضافة إلى تأثيرات ما نشهده من حولنا في المنطقة العربية من تحوّلات ثورية عاصفة نحو إقامة أنظمة ديمقراطية، أيًّا كانت تعقيدات هذه التحوّلات وتناقضاتها.
وهذا ما عمّق الأزمة السياسية في البلاد التي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة على نحو ملحوظ بحيث بدأت تتكشف شيئا فشيئا مظاهر عجز النهج السلطوي وعدم قدرته على مواكبة متطلبات التطور الديمقراطي في أبسط أشكاله، إذ لم يعد قصور الإدارة السياسية للدولة وضعفها وتدني أدائها خافيا على أحد، فيما تجاوز طرح مطلب التغيير حدود الدعوة إلى تغيير الحكومة أو رحيل شخص رئيسها وتعداه إلى المطالبة بتغيير النهج السلطوي، بل لقد بدأت تبرز على السطح المطالبة بالحكومة الشعبية بوصفها البديل الديمقراطي الجدّيّ للنهج السلطوي المأزوم… وفي الوقت نفسه فقد زاد أزمة النهج السلطوي وعمّقها تآكل أهمية التلويح باستخدام أدوات التهديد السلطوية المعتادة وافتقادها تأثيرها الردعي السابق، بحيث لم يعد هناك الآن مَنْ يدعو إلى ما يسمى “الحل غير الدستوري” أو يطرح “تنقيح الدستور” وفق التوجّه السلطوي غير الديمقراطي، بل لقد انفتح في المقابل الأفق أمام طرح دعوات المطالبة بإجراء تنقيح ديمقراطي على “دستور الحدّ الأدنى” يحسم أمر الانتقال نحو النظام البرلماني في ظل الإمارة الدستورية.
باختصار، الأزمة السياسية أزمة عميقة، ومعالجتها تتطلب ما هو أكثر من مجرد استقالة نائب لرئيس مجلس الوزراء أو تغيير شخص الرئيس، أو حتى حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة!