أقلامهم

عبداللطيف الدعيج يشرح لفيصل المسلم ظروف إقالة الحكومة وتشكيل أخرى عام 1964

الوزارة الشعبية 


عبداللطيف الدعيج 


النائب فيصل المسلم، الذي بدا كناطق باسم المطالبين بتنحي الشيخ ناصر المحمد عن رئاسة مجلس الوزراء، اقترح، او تمنى، ان يتولى صاحب السمو الأمر، وان يحسمه على ما جرى عام 1964.
وبغض النظر، عما اذا كان النائب المسلم واعيا بأن عام 1964 تمت فيه اقالة «الوزراء» وليس رئيس مجلس الوزراء، بغض النظر عن ذلك، يبقى اللافت للنظر، سياسيا وليس اجرائيا فقط، ان ما يطالب به النائب المسلم، هو نفسه ما كان يطالب به اعضاء مجلس 1964 ..اي «حكومة شعبية» او حكومة برلمانية‍‍!
عام 1964، شكّل المرحوم الشيخ صباح السالم الحكومة الكويتية الثالثة، وجاء التشكيل استمرارا لبدء عصرنة الدولة، وارساء قواعد الحكم الديموقراطي، اذ تشكّلت الوزارة، او بتعبير اكثر دقة، تم اختيار الوزراء من غير ابناء الاسرة الحاكمة بناء على توصية رئيس مجلس الامة السيد عبد العزيز الصقر. وجاء ما يمكن تسميته بالوزراء الشعبيين، اي من غير العائلة الحاكمة كامتداد للرواد الديموقراطيين الاوائل، يتقدمهم رئيس المجلس التأسيسي نفسه المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم. وضمت الى جانبه عبدالعزيز الشايع، حمود النصف، خليفة الغنيم، محمد الغانم، خالد الجسار، عبدالعزيز حسين وعبد الله الروضان، الى جانب عضوي مجلس الامة خالد المسعود ويوسف الرفاعي.
والواضح في هذه الحكومة غلبة التيار الوطني الديموقراطي او «التجار»، حيث يتواجد خمسة منهم ككتلة واحدة متراصة: عبداللطيف ثنيان، عبدالعزيز الشايع، محمد الغانم، خليفة الغنيم، حمود النصف. كما يمكن اضافة المرحوم عبدالعزيز حسين وحتى عبدالله الروضان لهم بحكم الثقافة والانتماء.
هذا التشكيل لم يحظ بموافقة صقور الاسرة في ذلك الوقت الثلاثي الشيخ جابر الاحمد، جابر العلي، سعدالعبدالله، ويشاع ان الاكثر اعتراضا وقيادة للتيار النيابي الذي تولى اسقاط الوزارة كان المرحوم الشيخ جابر العلي السالم الذي كان يتمتع بنفوذ قوي داخل مجلس الامة.
تم منع الوزراء من اداء القسم بحجة انهم تجار يتعارض وجودهم والمادة 131 من الدستور، وهي المادة نفسها التي لجأ اليها التّكتل الشعبي في استجواب وزير النفط السابق السيد عادل الصبيح. وفي هذا دلالة يجب «اطلاقا» الا تغيب عن بال احد.
وتكاتف النواب بقيادة خالد المسعود القريب جدا في ذلك الوقت من الشيخ جابر العلي، وتمكنوا من تعطيل جلسات المجلس ومنع الوزراء من اداء القسم، وهو ما يعني ممارسة غير مباشرة لطرح الثقة الذي لم يوفره الدستور للمجلس، لهذا استعيض عنه بتعطيل الجلسات. ونجح صقور الاسرة ومعهم النواب «الشعبيون» في فرض ارادتهم مستغلين الحرص الديموقراطي لدى الامير المؤسس الذي فضّل «الانصياع» للواقع الديموقراطي الوليد، واعادة تشكيل الحكومة عوضا عن حل مجلس الامة.
ولو اختار الأمير المؤسس وقتها حل مجلس الامة واعادة الانتخاب، لربما تمكنت الامة من ايصال نواب وطنيين بذات اتجاه ونوايا الوزارة التي رفضها صقور السلطة.
تم حل الوزارة واعادة تشكيلها بخروج الوزراء «التجار» ودخول كل من عبدالعزيز الصرعاوي، عبدالله سميط، صالح عبد الملك، خالد الصالح، يوسف الفليج، واذا اضفنا الى هؤلاء خالد المسعود وخالد الجسار ويوسف الرفاعي، فان الجميع، وبلا استثناء، هم في الواقع «كبار الموظفين» اي ان الوزارة «الشعبية» او البرلمانية التي اصرَّ مجلس الامة على تشكيلها، غاب عنها رجال الدولة وتسيدَّها كبار الموظفين. يعني بالعربي «شعبية» اسم على مسمى.
من يومها وحتى الآن، باستثناء، الى حد ما، العصر الذهبي لوزارة 1975ــ1971، فإن هذا هو التشكيل الرسمي للوزارات الكويتية. فما الذي يريد تصحيحه النائب فيصل المسلم ومن معه اكثر من هذا «التصحيح»؟!