أقلامهم

ما تعانيه الكويت اليوم من أزمة سياسية عميقة لا يحصر في شخص المحمد لكنه أبرز أسبابها هذا ما يراه أحمد الديين

إعادة الإعتبار الى العمل السياسي!


أحمد الديين


منذ العام 2006 والكويت تواصل هذا الدوران المرهق والمكلف في حلقة مفرغة مملة من حلّ متكرر ثلاث مرات لمجالس الأمة المتعاقبة في 2006، و2008، و2009 مع إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج النوعية ذاتها من النواب بأسماء مختلفة أو معادة، واستقالات متعاقبة لست تشكيلات حكومية يُعاد تأليفها بالرئاسة ذاتها مع تبديل جزئي لبعض الوجوه وتدوير محدود لعدد من الحقائب الوزارية من دون إجراء أي تغيير يُذكر في النهج المتّبع أو تحسين ملحوظ على مستوى الأداء المتدني، وذلك كله مصحوب بإفساد متعمّد للعملية الانتخابية، وتشويه مقصود للعمل البرلماني، وعبث متكرر في النظام الدستوري!
إنّ ما تعانيه الكويت من اضطراب وأزمات عقيمة متلاحقة في حياتها السياسية يكشف أنّ الأزمة أعمق من أن تنحصر في شخص رئيس مجلس الوزراء الحالي، وإن كان هو شخصيا أحد أبرز عناصر هذه الأزمة وتغييره أحد مداخل حلّها، وهي ليست مجرد أزمة توتر العلاقة بين السلطتين، وإن كانت هذه هي أحد مظاهرها، وإنما هي أزمة أعمق تعود إلى التناقض المتنامي والمتفاقم بين النهج السلطوي العاجز عن إدارة الدولة من جهة ومتطلبات بناء الدولة الكويتية الحديثة واستحقاقات تطورها الديمقراطي المتسق من جهة أخرى، كما أنّها أزمة قصور دستور الحدّ الأدنى وضرورة تنقيحه ديمقراطيا بالانتقال الفعلي من الطريق الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي إلى النظام البرلماني الديمقراطي، وهي أزمة العيوب البنيوية التي يعانيها العمل البرلماني في صيغته الراهنة ويشكو منها العمل السياسي جراء انعدام تنظيم الحياة الحزبية وافتقاد آلية التداول الديمقراطي للسلطة، بحيث أصبحنا أمام وضع عقيم مسدود الأفق لم يعد ممكنا إصلاحه ضمن حدوده القائمة وبالأساليب المتبعة خصوصا في ظل موازين القوى المختلة ونمط التفكير السياسي السائد في مراكز القرار والسلطة.
ومن ثَمَّ فإنّ البحث عن مَخْرَج جدّيّ من هذه الأزمة لوقف الدوران العبثي في حلقتها المفرغة يتطلّب أولا وقبل كل شيء إحداث تبدّل ايجابي في موازين القوى داخل المجتمع الكويتي لصالح تعزيز الاتجاه الديمقراطي، كما يتطلّب تغييرا في نمط التفكير السياسي السلطوي في مراكز القرار والسلطة الذي لم يعد قادرا على تلبية متطلبات إدارة الدولة الحديثة، ناهيك عن تخلّفه عن مواكبة روح العصر والتحوّلات العاصفة التي يشهدها عالمنا العربي.
وبالطبع فإنّ موازين القوى لا تتبدّل حسب الطلب، كما أنّ إحداث تغيير جذري في نمط التفكير السياسي السائد ليس بالأمر الهيّن ولا يمكن أن يتحقق وفق الأمنيات والرغبات، وإنما يمكن أن يتم ذلك فقط ضمن عملية صراع حقيقية تتجاوز التمثيلية البائسة لشكل الصراع الدائر الآن الشبيهة باستعراضات “المصارعة الحرة”، بحيث يفترض أن يدور الصراع حول قضايا جدّيّة تتصل بإجراء إصلاحات دستورية وسياسية عميقة ومؤثرة تستهدف الانتقال إلى النظام البرلماني الديمقراطي، وليس أن يدور حول التفاصيل والجزئيات والهوامش والصراعات الشخصانية غير المجدية… أي أن يكون الصراع صراعا سياسيا في مضامينه وعناوينه وساحاته وأدواته وأشكاله وأساليب عمله، ولا ينحصر – مثلما هو شكل الصراع الآن-  في نطاق الساحة الضيقة للعمل البرلماني بآلياته القاصرة وأفقه المحدود والمسدود… صراع يعيد الاعتبار مجددا إلى العمل السياسي المنظم بعيدا عن الحسابات الانتخابية الشخصية والتكتيكات الآنية لأعضاء مجلس الأمة والمرشحين، بحيث يقوم العمل السياسي على تحليلات معمّقة للأوضاع القائمة ومداولات جادة ومقاربات موضوعية للقضايا والمشكلات وصولا إلى طرح بدائل وحلول ومعالجات ذات بعد استراتيجي وأفق مستقبلي، مع ضمان إشراك المواطنين في ذلك كله وعدم تهميشهم، فالرأي العام الواعي وحركة الجماهير المنظمة يشكلان اليوم أهم أدوات الإصلاح والتغيير في العالم أجمع… حينذاك، وحينذاك فقط يمكن أن تتبدّل موازين القوى لتصبح في صالح التغيير الديمقراطي… وحينذاك، وحينذاك فقط سيواجه النهج السلطوي المأزوم أزمته الحقيقية التي لا يمكنه أن يتجاوزها إلا بالعودة إلى صيغة شبيهة بذلك التوافق التاريخي الذي كان قائما في النصف الأول من الستينيات بين مشروع الحكم ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة في إطار دستور الحدّ الأدنى، ولكنه هذه المرة توافق ضمن إطار نظام برلماني ديمقراطي يقوم على الإمارة  الدستورية والحكومة الشعبية… وغير هذا عبث وإضاعة وقت!.