أقلامهم

أحمد الديين يعدد مراحل مرت بها الكويت في يوم إستقلالها الحقيقي تحت مظلة نصف قرن من المراوحة

نصف قرن من المراوحة!  
  أحمد الديين
اليوم هو اليوم الحقيقي لعيدنا الوطني الذي نالت فيه الكويت استقلالها قبل نصف قرن من يومنا هذا في التاسع عشر من يونيو من العام 1961، والمؤسف ما يتعرض له هذا اليوم التاريخي المجيد من تجاهل متعمّد وإغفال متكرر لسنوات طويلة بعد القرار الحكومي بنقل الاحتفال به إلى 25 فبراير وذلك تحت ذريعة الطقس، فأصبح نسيا منسيا!
والآن، عندما نتوقف أمام هذه المناسبة الوطنية ونستعيد ما تحقق خلال نصف القرن المنصرم بين يوم الاستقلال في 1961 وذكراه الخمسين في هذا العام 2011 نجد أنّه قد تمّ تحقيق الكثير من الانجازات على أرض الواقع نحو بناء الدولة الكويتية الحديثة؛ والانطلاق على طريق الديمقراطية، خصوصا في السنوات الأولى من الاستقلال، بالإضافة إلى الخطوات التي استهدفت تحرير الثروة النفطية من السيطرة الأجنبية في أواسط السبعينيات، إلا أنّ ما تمّ انجازه، على الرغم من أهميته البالغة لما يُستكمل بعد، إن لم يكن قد جرى التراجع عنه وتعطيل مساره أو حرفه عن بلوغ هدفه.
حيث تعثّر مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، الذي سبق أن بُني على قاعدة التوافق التاريخي بينه وبين “مشروع الحكم”، إذ عمدت الأطراف السلطوية إلى إعاقة مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة؛ عندما تعاملت معه على أنّه مشروع مناقض لمشروع الحكم.
وفي السياق ذاته أعيق المشروع الديمقراطي، الذي كان يفترض أن يتجاوز الحدود الضيقة لدستور 1962، إذ جرى قطع الطريق على عملية الانتقال من الصيغة الوسطى بين النظامين البرلماني والرئاسي إلى صيغة أوضح من النظام البرلماني الديمقراطي بعد انقضاء فترة السنوات الخمس الأولى لتطبيق الدستور، حيث عمدت الأطراف السلطوية إلى تزوير انتخابات مجلس الأمة الثاني في 25 يناير من العام 1967، وهو المجلس الذي كان يفترض أن ينجز مهمة التنقيح الديمقراطي لدستور الحدّ الأدنى، بالإضافة إلى نجاح هذه الأطراف السلطوية في تكريس نهج الانفراد بالسلطة والقرار وانقلابها مرتين على الدستور بتعطيله وتعطيل الحياة النيابية وفرض القيود على الحريات العامة، ما أدّى إلى حدوث اختلال صارخ في موازين القوى لغير صالح الاتجاه الديمقراطي وبالتالي انسداد الأفق أمام الانتقال المستحق إلى استكمال النظام البرلماني الديمقراطي، بحيث انحصرت معركة الديمقراطية لسنوات طويلة في نطاق الدفاع عن دستور الحدّ الأدنى ومواجهة مشروعات الأطراف السلطوية لتعطيله أو تنقيحه على نحو غير سلبي، فيما لم يتحقق أي تقدم ملموس في مسار التطور الديمقراطي، حيث لا يزال الوزراء من غير النواب المنتخبين أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم، فيما استمر احتكار منصب رئاسة مجلس الوزراء وحقائب وزارات السيادة، ولا يزال رئيس مجلس الوزراء يتمتع بحصانة مبالغ فيها تجاه المساءلة النيابية، ناهيك عن عدم إشهار الأحزاب السياسية وانعدام وجود آلية للتداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية، مثلما هي الحال في أي نظام ديمقراطي برلماني.
أما المشروع الثالث الذي لما يستكمل فهو مشروع تحرير الثروة النفطية المتصل باستكمال الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي، حيث أُنجزت في العام 1975 خطوات مهمة على طريق استعادة ملكية الكويت لثروتها الوطنية، ولكن سوء الإدارة والفساد والمحسوبية وسطوة مراكز النفوذ وضغوط أصحاب المصالح الخاصة سرعان ما أخضعت هذا القطاع الحيوي لاعتبارات لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، وفي الوقت نفسه جرت محاولات محمومة لإعادة سيطرة الشركات الأجنبية على قطاعنا النفطي بإدخالها من النافذة بعدما تمّ إخراجها من الباب وذلك عبر طرح مشروع الاستعانة بهذه الشركات فيما سمُي “مشروع الكويت” الذي جُوبه بمعارضة قوية حالت دون تمريره، هذا ناهيك عن استمرار ضعف صلة القطاع النفطي بالقطاعات الاقتصادية الأخرى فيما عدا كون الريع النفطي مصدرا للتمويل، فيما لا يزال اقتصادنا يؤدي وظيفة متخلفة في إطار التقسيم الدولي للعمل تتمثّل في تصدير النفط الخام، ما يكرّس الطابع الريعي التبعي للاقتصاد الكويتي.
باختصار لقد راوحت الكويت طويلا في مكانها ذاته خلال نصف القرن المنصرم وأحيانا تراجعت، بينما كان يفترض بها أن تتقدم إلى الأمام… ولعلّ السبب معروف!