أقلامهم

منى العياف تكتب عن لحظات الحب وتستشهد بأبيات شعرية لوصف التفاصيل مستشهدةً بابن القيم

منى العياف

ابن القيم عندما يعشق ويحب

الحياة جميلة لعن الله من قبحها!

الله جل جلاله خلقنا في هذه الحياة لنكون خلفاء له على هذه الأرض فنعمرها بالإيمان والعلم والعمل ونتوارثها الأجداد والأولاد والأحفاد، وفقا لقواعد ذهبية تحض على عمل الخير وحب الآخرين ونبذ الصراع.

ولو استلهمنا ما ورد في الكتب السماوية لوجدناها تحض على الخير والمحبة، والرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية الناس وليدلوهم على الطريق الصحيح، لو تأملنا كتبهم السماوية التي آمنا بها لوجدناها في جوهرها تعلي قيمة المحبة وبالتالي فإن الحب مفتاح الحياة، تلك الحياة التي أرسى دعائم تعاملنا فيها رسولنا الكريم وفقا لقواعد ذهبية منها: «لا ضرر ولا ضرار»، و«أنتم أعلم بشؤون دنياكم».

الحب مفتاح الحياة ونبضها وهو الذي يدلنا ويقودنا الى مواطن الجمال، التي سجلها التاريخ، وعرفتها الأدبيات الإنسانية نثرا وشعرا ورواية وقصة. والتاريخ (الإسلامي والحديث والمعاصر) يورد لنا دوما قصصا رائعة ملهمة، جميلة عن الحب والجمال، ولولا «الوهابيون»، الذين ابتدعوا لنا البدع وأفرزوا لنا عشرات السلفيين الذين يترصدون الحب والمحبين، والجمال وعشاقه والحياة والداعين الى محبتها والتمتع بها، لكانت الحياة أجمل وأكثر انسانية واكثر حبا، فهذه الدعوة الوهابية هي التي أنبتت لنا العديد من الفصائل التي تحجر على الحرية العقلية والايمانية وترهب القلوب المتعطشة للمحبة وتجعلها توغل في القسوة وتفرط في الحياة المقفرة المجدبة بدعاوى خاطئة عديدة، وفهم غير صحيح للإسلام الحقيقي، إذ يرون الحب إثما وفسقا وفحشا، فقد حصروا الحب في الجنس وفي جسد المرأة وفي الخطيئة فقط ولم يروا فيه شيئا آخر، ومن ثم فإن كل حديث عن الحب مرفوض لأنه خطيئة وإثم عظيم!

لم يعط هؤلاء الفرصة لأنفسهم ليكتشفوا الدنيا على ضوء الحب الذي ألهمنا الله إياه في القلوب والذي حضنا عليه في رسالاته السماوية إلينا، لم يقرأوا كتب ومؤلفات الأئمة رضوان الله عليهم، فلو فعلوا لوجدوا معينا لا ينضب، ومناهل وروضا من رياض القصائد العذبة، تؤكد لنا ان الحب والحياة هما هبة إلهية، فقد كتب الامام ابن القيم «رضي الله عنه» في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين يقول:

سألت فقيه الحب عن علة الهوى

وقلت له: أشكو إلى الشيخ حاليا

فقال: دواء الحب ان تلصق الحشا

بأحشاء من تهوى إذا كنت خاليا

فتقضي حاجات الفؤاد بأسرها

على الأمن ما دام الحبيب مواتيا

إذا كان هذا في حلال فحبذا

وصال به الرحمن تلقاه راضيا

وإن كان هذا في حرام فإنه

عذاب به تلقى العنا والمكاويا

هذه الصورة الجمالية البديعة التي أبدعها ابن القيم، هذا العالم الفاضل التقي الذي يأخذ علماء المسلمين عنه العلم – عن الحب وناره كيف صوره بـ«العذاب» إذا كان حراما وكيف وصفه بالجمال إذا كان حلالا، هل تأملتموها؟ وليس هذا وحسب بل ان هناك الكثير من أشعاره الجميلة فاضت بها مشاعره المرهفة وهو يتحدث عن الحبيبة ويصورها كالخميلة الغناء، ويصف المتيم الملتاع وشدة شوقه الى لقاء حبيبته بقوله:

فسل المتيم هل يحل الصبر عن

ضم وتقبيل، وعن هيمان

وسل المتيم، أين خلف صبره

في أي واد، أم بأي مكان

وسل المتيم، كيف عيشته إذن

وهما على فرشيهما خلوان

وسل المتيم كيف مجلسه مع الـ

محبوب في روح وفي ريحان

يا رب عفوا، قد طغت أقلامنا

يا رب معذرة من الطغيان

فيامن لا تعرفون الحب صدقوني أضعتم الكثير من روعة الحياة، يا من استسلمتم لمن يرهبون العقول والقلوب معا ومن يحولونها الى صحراء جرداء لا نبت فيها ولا ماء، لكم في الشيخ ابن القيم عظة وعبرة فتعلموا منه، تعلموا ان تجعلوا الحب مصدر إلهام ونبعا لحياتكم، فقد رأيتم كيف ان هذا الشيخ التقي الورع رضي الله عنه، صور الحب والحبيب ولوعة الشوق والفراق وجمال اللقاء، بهذه الأبيات التي تفيض حبا وجمالا وتذكرنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله جميل يحب الجمال».

الحياة جميلة.. والحب أجمل، ولعن الله من أفسد الأولى وقبحها وحرم الثانية ومنعها!

.. والعبرة لمن يتعظ!

(تم حذف بعض الأبيات لبلاغتها في وصف لقاء الأحبة)!