سبر القوافي

( كرنفال الشعر ) عبدالمحسن ..

قالت إفرض طيب إن الشمس نامت من تعبها  

   من تظن يفك أزارير المسا ويصب نور  

قلت أبد لا تشغلين عيونك إلا في هدبها 

   واعصري ظلك تسيل شموس وتجف البدور ” 

 

   ربما هي غريبة التي يسمونها “بالكلمات الجريئة” بحداثتها على الشعر الشعبي بوجه الخصوص بالنسبة لبعض جمهور الشعر ، كثيرا من متذوقي الشعر لا يتقبلوا مثل هذه المداخلات، فآذانهم اعتادت على التقليدية والكلمات والقصص المألوفة والنتشرة منذ سالف العشق والوجد ، ولكن  لهذه الكلمات البسيطة والبارزة بأناقتها العصرية على النص التقليدي براعة  تعطي المشهد الحركي للقصيدة وكأنها سرد من رواية ما والمشهد الصوري بألوانه وحركاته واحساسه أيضاً.. 

أو كأنها مشهد من فلم عالي التقنية .. 

 

“تعال أفجر معي بلونة الأرض بطرف دبوس

  تعال وجرّب هبالي وشم الوردة بعينك”

 

   برع عبد المحسن بن سعيد ، في ادخال المستمع بجو الرواية بشطر او شطرين بجرأته وذكائه باستخدام المفردات وتضادها وتوظيفها بعكس عملها الطبيعي الفيزيائي .. لقد وظف عبد المحسن الطبيعة بذكاء لتحيي كرنفالا عشقيا وغزليا ، بمداعبته لصفاتها التي وجدت على الأرض من أجلها.

أحيانا يجعل القارئ أو المستمع له يشعر وكأنه يدخل في قصة رسوم متحركة أقرب الى الرواية الخيالية من الواقعية ، والمبهجة بالعشق الناطع السعيد بدل الحزن الكلاسيكي الذي تعودنا عليه من أغلب تاريخ الشعر ، يذهب بنا بكل ما هو لا متوقع من خيال الى خيال أوسع إلى مستحيل وكأننا في بلاد العجائب :

 

” أنا خبري بهالورده وهي بيضا قبل ما أجيك 

  و لكن من خجلها جيت أقدمها لك أحمّرت  

يفزّ العشب من صحرا لها جاب البدو طاريك

   ومن يقدر يلوم أرضٍ وطيتيها لو أخضّرت  

حبيبي والجبل وادي وقف بقدومك يحييك

   حبيبي والكلام أطفال هابت حسنك وفرّت  “

 

.. أحياناً نشعر بأنه لا يريد أن يبهرنا بقدر ما يريد أن يمازح أدواته الشعرية من ورد وعشب ورمش وأطفال .. ، يُشعرنا عبدالمحسن إنه ينقل لنا ما يدور بينه وبين أبطال قصيدته وأن القصيدة ليست من صنعه بل هي قصة حدثت معه بينه وبين أبطاله ، فهو بهذا العشق لا يسهر ولا يدمع ولا يسمر كباقي العشاق ، بل العشق يضخ فيه الحياة والبهجة ، يخال إلي انه مليء بالألوان وإن تحدث شعراً ستتطاير منه ألوان وفقاقيع وأطفال ومرح .. فهو لو اشتاق ارتسم بين عينيه قوس قزح وداعب دموعه بنور، واذا تكلم حزناً أدخلنا في صبح حنّة عروس ، وكأنه ليس حزنا الذي يعيشه.. يقول عبدالمحسن :

 

” وماسبقك أحد ٍ تجلل بالسحايب واعتصبها 

  ولاعرق حي ٍ دهن ورد وزفر غيرك بخور  

آه يا أحلى ذنوب العاشق اللي مأرتكبها  

  الغرور يصيب غيرك وانت من صاب الغرور

شفت دورة هالكواكب حول شمس ٍ تجتذبها 

   كنها قلوب الأوادم حولك تحور وتدور  

نفسي ادري من سبقني للمواعيد وشربها

    او من اللي بس عبا دمي إحساس وشعور  

ياحبيبي قد سمعت بنار قد حنت حطبها 

    أو بمن يشهد على نفسه لخصمه يوم زور”

 

  وهو أكثر من يشهد لحبيبته من أنها شخص لا يتكرر ، وأنها لا تتعطر ولا تتلون ولا تفرح إلا من صنع قريحته وباختياره .. و بإرادته يرصعها بالخيال والحب، فهو يهلوس ابداعاً:

“تجين نشاور أهداب السحاب اللي جلس يرتاح 

   وش أحلا لون فص الشمس وإلا لون وجناتك  

تجين نعلّم التوت المشي ونزخرف التفاح 

   ونشرح بالكرز والثلج كيف تسيل ضحكاتك  

تجين نجدّل خيوط الشعاع ونكسر المصباح  

 ونشعل في حنايا العمر نور زهور خطواتك  

تجين نقفّل أبواب الفراق ونبلع المفتاح  

  بعد مانسترد اللي من أحلام الوصل فاتك “

لقد تجرأ عبد المحسن بن سعيد وزيّن قصائده بالصور المتحركة، الأقرب للذكر بالمشهد الحقيقي الذي يتعرف القارئ على رائحة المكان ولونه الذي يقصده الشاعر.. فهو يستحق أن يقرأه الشخص إلى النهاية ليعرف آخر قصصه وأفراحه.