عربي وعالمي

التقشف .. “يفرمل” عجلة القطاع الثقافي بالجزائر

يقول فاعلون في الوسط الثقافي والفني بالجزائر إنّ سياسة “التقشف”، التي أقرتها الحكومة بعد تهاوي أسعار النفط، قلصت من أنشطة قطاع الثقافة في البلاد.

ويسشتهد أصحاب هذا الرأي بتعليق مهرجانات وإلغاء أخرى ودمج مؤسسات ثقافية بعضها ببعض، خصوصا في ظلّ عدم اتضاح معالم الخارطة الثقافية في 2016، قبل أشهر قليلة على انتهائها.

وتقلصت ميزانية وزارة الثقافة، حسب ما جاء به قانون المالية لسنة 2016 (الموازنة العامة)، بنسبة 65%، إذ بلغت 167 مليون دولار، مقارنة بالعام الماضي، مشكلّة نسبة 0.4 % من حجم ميزانية الدولة.

وتعتبر هذه الميزانية الأقلّ منذ 2009، حيث بلغت حينها 360 مليون دولار، كما تم تسجيل أكبر ميزانية رصدتها الدولة للقطاع في 2015، بمبلغ قدِّر بـ 463 مليون دولار، والذي خصص منه ما قيمته 7.3 مليون دولار لـ”تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015”.

وألقت الأزمة الإقتصادية بظلالها على المشهد الثقافي والفني بالبلاد، من خلال دمج بعض المؤسسات الثقافية، مثل إلحاق مؤسسة “الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي” بـ”ديوان رياض الفتح”، الذي سيحمل مستقلاً اسم “مؤسسة رياض الفتح للإشعاع الثقافي”، ودمج مؤسسة “سينماتيك الجزائر” مع “المركز الجزائري للسينما والسمعي البصري”.

وتقول السلطات الجزائرية إن عائدات البلاد من مبيعات النفط تراجعت إلى النصف منذ منتصف 2014، بعد انهيار أسعاره في السوق الدولية على اعتبار أن الجزائر تعتمد بنسبة 97 % من دخلها من العملة الأجنبية على المحروقات.

ووفق ما كشفه مؤخراً وزير الثقافة عزالدين ميهوبي، فإنّ خارطة المهرجانات الجديدة تضم 77 مهرجاناً؛ منها 28 مهرجاناً دولياً، و31 مهرجاناً وطنياً، و18 مهرجاناً محلياً، بعدما كانت تنظم الخارطة في الأعوام القليلة السابقة أكثر من 180 مهرجاناً منوعاً بين دولي ووطني ومحلي وفعاليات صغيرة.

وقال وزير القطاع إنّ دفتر الشروط الجديد يحمل إجراءات صارمة كتحديد ميزانية وتوقيت المهرجانات، حيث ترصد الوزارة لكل مهرجان دولي مليون دولار، لكونه يمثل صورة الجزائر في الخارج، في حين لا تتجاوز مخصصات المهرجان الوطني 100 ألف دولار مع تطبيق المتابعة الدقيقة للميزانية المصروفة وأي خطأ قد يكلفّ مدير أي مهرجان عقوبة تصل حدّ السجن.

ومسّت سياسة ترشيد النفقات، كما جاء على لسان الوزير ميهوبي، المهرجانات الدولية التي تم الإبقاء عليها وتلك المعلقة مؤقتاً بعد تخفيض ميزانيتها وتقليص مدتها الزمنية وعدد المشاركين فيها.

وقُلصت أيام مهرجان “وهران الدولي للفيلم العربي” (غرب)، الذي ينظم سنويا شهر يوليو/ تموز من 10 أيام إلى 7 أيام في الدورة التاسعة لسنة 2016، كما تم تعليق “المهرجان الدولي لفنون الأهقار” ( 13-18 نوفمبر/ تشرين الثاني) بتمنراست (جنوب)، و”المهرجان الدولي المغاربي للموسيقى الأندلسية” بالعاصمة الجزائر، الذي يقام بين 13 و18 ديسمبر/ كانون الأول من كلّ سنة.

في المقابل لا تزال هيئات وزارة الثقافة لم تصل لقرار في عدد من المهرجانات الوطنية، وفي مقدمتها المهرجان “الوطني للمسرح المحترف”، الذي تجاوز موعد تنظيمه الرسمي (24 مايو/ أيار إلى 2 يونيو/ حزيران)، ومهرجان “الجزائر لأيام الفيلم الملتزم”، الذي تحتضنه العاصمة الجزائرية سنويا في الفترة الممتدة من 12 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول.

حقيقة التقشف في القطاع الثقافي
وتكشف أرقام متداولة في الصحف الجزائرية أنّ أكثر من 6 مليارات دولار ميزانية خمس تظاهرات ثقافية كبرى، احتضنتها الجزائر من 2001 إلى 2015، لم تحقق – حسب مراقبين – عائدات مالية بحيث استغلت في الترميم وبناء المنشآت وجزء منها ذهب إلى النشاطات الثقافية.

وتشير تحديداً إلى “تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015” التي كلّفت وحدها خزينة الدولة، 7 ملايين دولار، رغم سياسة “عقلنة النفقات” المتخذة من قبل الحكومة، و”تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011″، إلى جانب “المهرجان الثقافي الإفريقي 2009″، و”تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية في 2007″، “المهرجان الدولي للشباب والطلبة في 2001″ و”سنة الجزائر الثقافية في فرنسا عام 2003”.

ويقول سمير مفتاح، مدير الإعلام بالديوان الجزائري للثقافة والإعلام (أكبر مؤسسة ثقافية حكومية في الجزائر)، للأناضول: “لا يمكننا التقشف في قطاع الثقافة وهو الذي يعيش التقشف منذ الاستقلال (1962)؛ فتقليص بعض المهرجانات أو مزج بعضها حكمة وليس نقمة على القطاع”.

ويضيف مفتاح: ” لذا لابد أن ندرك جيدا ماهية الثقافة وما يحتاجه المواطن الجزائري في ظل الحروب المعلنة والخفية على الهوية الوطنية”.

ويشدد على أنّ مستقبل الثقافة خلال، الأشهر أو السنوات المقبلة، مبني على الإيمان قبل المادة، فالثقافة كانت وسيلة نضال إبّان ثورة التحرير (1954/ 1962)”.

مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام لخضر بن تركي، يشير من جانبه، إلى أنّ نشاطات الديوان سواء مهرجاني “تيمقاد الدولي”، و”جميلة العربي” أو “سهرات الكازيف” بعاصمة البلاد تهدف إلى الترويج لصورة الجزائر المستقرة في الخارج وجلب السواح حتّى ولو جرى تنظيمها في عزّ الأزمة الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، أكد بن تركي، أنّ مهرجانات الديوان لن يمسها أبدا التقشف.

ويدعو الناقد السينمائي جمال الدين حازورلي، في حديث للأناضول، وزارة الثقافة إلى ضرورة التفكير في تسيير أمثل للمهرجانات، بأن تكون لها مردودية مثل مهرجان “كان” السينمائي بفرنسا، بحيث تسهم في تسديد رواتب الفنانين وإقاماتهم وغيرها.

ولا يرى حازورلي، تجسيد هذه الفكرة بالأمر العسير على أرض الواقع.

وشدد في السياق ذاته على ضرورة “الفهم الواضح لأهمية الثقافة في تكوين وبناء وعي الفرد”.

واعتبر ذلك “مسؤولية الدولة، ويجب عليها أن لا تتخلى عن الثقافة مهما بلغت حدّة الأزمة”.

وعلى العكس يؤكد عمار كساب، خبير في السياسة الثقافية، للأناضول، أنّ ما تسميه وزارة الثقافة بـ”الأزمة” يعنيها بالتحديد، وليس الفنانين والمبدعين، لأنّ “الإبداع والوضع الاجتماعي للمبدعين لا يتأثر بالتداعيات سواء ارتفعت الميزانية أو انخفضت”.

وعلّق كساب: “الفنانون في الأصل مهمشون من طرف (جانب) الوزارة”، منتقداً سياسة “الترقيع” التي تقوم بها الوزارة.

وذهب كساب إلى حد الدعوة إلى “تعليق نشاطات وزارة الثقافة حتى تحدد بدقة صلاحياتها ومهامها”.